التلال لها عيون (The Hills Have Eyes ) هو عنوان فلم رعب أمريكي من أنتاج عام 2006 وهو مقتبس عن فلم رعب آخر حمل نفس العنوان من إنتاج عام 1977. ميزانية الفلم بلغت 15 مليون دولار وهي تعتبر ميزانية صغيرة في حسابات صناعة السينما الأمريكية العملاقة، وقد استرجع منتجو الفلم أموال هذه الميزانية خلال أسبوع واحد فقط من عرض الفلم في صالات السينما الأمريكية، أما الإيرادات الكلية فقد ناهزت السبعين مليون دولار حول العالم، وقد شجع هذا النجاح التجاري الكبير على إنتاج جزء ثاني للفلم.
ملصق الجزء الاول 2006
الفلم يتحدث عن مجموعة من المسوخ البشرية التي تختبئ في منطقة نائية بعيدا عن أنظار الناس، ولتفسير وجود هذه المخلوقات
المشوهة نشاهد في مقدمة الفلم لقطات ومشاهد للتجارب النووية التي كانت الدول الكبرى تجريها بسرية تامة حول العالم، يتخلل تلك اللقطات عرض صور سريعة لأجنة بشرية أصيبت بتشوه خلقي نتيجة تعرض والديها للإشعاعات النووية. الفلم عبر هذه المقدمة يحاول إقناعنا بأن الإشعاعات الناجمة عن التجارب النووية هي التي أدت إلى ظهور هذه المسوخ المشوهة.
كاتب ومخرج الفلم الفرنسي الشاب "الكسندر أجا" تحدث عن فلمه قائلا : "لقد استندنا في وصفنا وإخراجنا إلى وثائق حقيقية، صور ولقطات أظهرت لنا تأثيرات الإشعاعات النووية في تشرنوبيل وهيروشيما".
آل كارتر والفخ القاتل
أفراد عائلة آل كارتر
في بداية الفلم، نشاهد عائلة آل كارتر وهي تنطلق في رحلة بالسيارة عبر صحراء نيومكسيكو الحارقة باتجاه مدينة سان دييغو في أقصى الغرب الأمريكي. العائلة تتألف من الأب بوب وزوجته إيثال ، الأبنتين لاين وبراندا، الابن بوبي، صهرهم دوغ، وأخيرا الحفيدة الصغيرة كاثرين، إضافة إلى كلبين.
خلال الرحلة يتوقف آل كارتر عند محطة وقود نائية في منطقة تكاد تكون مهجورة، صاحب المحطة العجوز يوهم العائلة بوجود طريق مختصر عبر الصحراء فيرسلهم عمدا إلى فخ مميت داخل أرض قاحلة جرداء كانت يوما ما محلا للتجارب النووية التي أجرتها الحكومة الأمريكية في فترة الحرب الباردة.
آل كارتر ابتلعوا الطعم بسهولة وساروا لوحدهم في ذلك الطريق المختصر الموحش والخالي من أي أثر للحياة، لكن مسيرتهم لم تمضي بعيدا، فما أن قطعوا مسافة قصيرة من الطريق حتى قام شخص مجهول برمي سلسلة معدنية مسننة تحت إطاراتهم مما أدى إلى تمزقها مما أدى إلى فقدان الأب بوب لسيطرته على السيارة فأصطدم بصخرة كبيرة. والآن مع سيارة معطلة وإطارات ممزقة داخل تلك
الأرض الموحشة سيواجه آل كارتر محنة رهيبة لن نخوض في تفاصيلها لكي لا نفسد على القارئ العزيز متعة مشاهدة الفلم، لكنها باختصار ستكون صراعا مريرا ودمويا مع مجموعة من المسوخ البشرية المرعبة التي حولت تلك الأرض الجرداء إلى فخ مميت لصيد طرائدها البشرية.
هل لقصة الفلم أي أساس حقيقي ؟
كما أسلفنا، فلم "التلال لها عيون" مقتبس عن فلم رعب أقدم يحمل نفس العنوان تم أنتاجه عام 1977، أحداث الفلم السبعيني تدور حول عائلة تعيش وحيدة في منطقة نائية وتمارس أكل لحوم البشر. القصة برمتها مقتبسة عن حكاية شعبية اشتهرت في الريف الاسكتلندي خلال القرن الثامن عشر وتدور حول عائلة ساوني بين (Sawney Bean ) المتوحشة، والتي سبق أن كتبنا مقالا مفصلا عنها في هذا الموقع .. لكن للتذكير فقط .. "ساوني بين" كان أبن فلاح اسكتلندي لجأ مع زوجته إلى كهف كبير يقع على شواطئ جالواي في اسكتلندا. هناك في مخبأهم المظلم أنجب الزوجان عدد كبير من الأبناء والبنات، ولأنهم عاشوا في عزلة تامة عن البشر، لذلك قام ساوني بتزويج بناته لأبنائه، وبمرور الأعوام ازداد عدد الأحفاد والحفيدات نتيجة زنا المحارم بين الأشقاء والشقيقات فتحولت العائلة إلى عشيرة صغيرة
وحوش عائلة ساوني بين عاشوا داخل كهفهم المتواري عن الأنظار خلف الأحراش ومياه البحر لقرابة الخمسة والعشرين عاما. وخلال تلك السنوات الطوال كانوا يحصلون على طعامهم من لحوم المسافرين التعساء الذين كان حظهم العاثر يقودهم للمرور بالأرض المحاذية للكهف.
لكن جرائم العائلة وصلت إلى نهايتها الحتمية في أحد الأيام عندما افلت من قبضتها احد المسافرين بعدما شاهد بأم عينه زوجته المسكينة وهي تذبح كالشاة ويتم تقطيع جسدها إلى أشلاء من قبل أبناء وبنات ساوني المتوحشين، الرجل المذعور أنطلق على فرسه بأقصى سرعة نحو العاصمة جلاسكو من اجل إخبار السلطات هناك عما شاهده.
ملك اسكتلندا الذي كان اختفاء المسافرين الغامض قد أزعجه لمدة طويلة أمر في الحال بتجريد حملة عسكرية ضخمة لتفتيش ريف جالواي شبرا شبرا، ولحسن الحظ انتهت تلك الحملة بإلقاء القبض على جميع أفراد العائلة الدموية؛ الملك طلب من جلاديه بأن لا تأخذهم بساوني بين وعائلته أي رأفة أو رحمة، أمر بإبادتهم جميعا، رجال ونساء وأطفال، وقد نفذ الجلادين أوامره بحذافيرها فكان موت شياطين العائلة مؤلما وبطيئا، ففي البداية قاموا بتقطيع أوصال الذكور وتركوهم ينزفون حتى الموت، أما النساء فقد تم إحراقهن في ثلاث نيران كبيرة منفصلة.
في الواقع ينبغي أن ننوه بأن المؤرخين أنقسموا حول حقيقة أحداث قصة "ساوني بين"، فالبعض يعتبرها مجرد خرافة شعبية لا أساس لها من الصحة، فيما هناك من يعتقد بأنها تستند بالفعل إلى أحداث واقعية جرت خلال القرن السادس عشر. لكن على كل حال، وأيا ما كانت الحقيقة، فأن القصة التي ذاع صيتها ألهمت العديد من صانعي أفلام الرعب لاقتباس نموذج العائلة المتوحشة لاستخدامها في أفلامهم، ومنها بالطبع فلمنا موضوع البحث.
حقيقة الاختبارات النووية
مناورة للجيش الامريكي تضمنت تفجير قنابل ذرية
فلم "التلال لها عيون" تميز بمسوخه التي برع صانعو الفلم في تجسيدها على الشاشة عن طريق الماكياج والخدع البصرية التي يوفرها الحاسوب، كما أحسنوا في تقديم تفسيرات حول سبب وجود تلك الكائنات المشوهة في تلك الصحراء النائية، فالمنطقة التي يصورها الفلم، أي صحراء نيومكسيكو، كانت بالفعل مسرحا لأول تجربة نووية أجرتها الولايات المتحدة عام 1945 والتي قاد نجاحها إلى إلقاء قنبلة الولد الصغير (Little Boy ) فوق مدينة هيروشيما اليابانية في 6 آب / أغسطس عام 1945، وتلا ذلك بثلاثة أيام إلقاء قنبلة الرجل البدين (Fat Man ) فوق مدينة ناجازاكي. كما أن الفلم لا يخلو من حقائق موثقة، كالبلدة الزائفة التي نشاهدها خلال الفلم والمليئة بالعرائس البلاستيكية، ومثل هذه البلدات كان الجيش الأمريكي يشيدها فعلا في مناطق التجارب النووية لدراسة القوة التدميرية للقنبلة محل الاختبار على المدن والناس.
لكن هل التفسير الذي يقدمه الفلم لوجود المسوخ البشرية مقنع ؟ فالفلم يفترض بأن السلطات الأمريكية فشلت في أخلاء منطقة الاختبار النووي بالكامل، مما أدى إلى تعرض بعض السكان للآثاره المدمرة، وأسوء هذه الآثار بالنسبة للناجين تتمثل في الإشعاعات النووية والغبار الذري الذي يستمر بالهطول لأسابيع بعد التفجير، وتتألف الإشعاعات من الجسيمات المشحونة (البروتونات وجسيمات ألفا وبيتا والإلكترونات) والإشعاعات الكهرومغناطيسية (الأشعة السينية وأشعة جاما) والنيوترونات. ومن الناحية الطبية، فلهذه الإشعاعات آثار وخيمة على صحة الإنسان، وقد تؤدي جرعة صغيرة منها إلى أصابته بالعديد من الأمراض والأورام الخبيثة، كما أن احتمال تشوه الأجنة وارد جدا في حالة الأم الحامل (1). وقد أثبتت الأبحاث العلمية الحديثة بأن هذه الإشعاعات يمكن أن تؤدي أيضا إلى ولادة أطفال متخلفين عقليا.
ومن الناحية التطبيقية، فأن إمكانية بقاء بعض الأشخاص على قيد الحياة رغم تواجدهم في منطقة تفجير نووي ليست مستبعدة، لكن ذلك يعتمد بصورة أساسية على مدى بعدهم عن مركز الانفجار، أي نقطة الصفر التي تكون نسبة الموت فيها مائة في المائة، وهذه النقطة قد تشمل محيط دائرة يصل قطرها إلى عدة أميال وذلك حسب قوة القنبلة والارتفاع الذي فجرت فيه فوق سطح الأرض (2). ونسبة النجاة ستكون أعلى بالطبع في حالة وجود هؤلاء الأشخاص في ملجأ أو منجم تحت سطح الأرض، لكن من المستبعد جدا تحولهم إلى مسوخ بشرية كما في الفلم، فالأشخاص الذين يتواجدون بالقرب من مراكز الإشعاع النووي والذين يتعرضون لجرعة زائدة سيموتون لا محالة بعد فترة زمنية قد تطول أو تقصر وذلك تبعا لحجم الجرعة التي تعرضوا لها والتي تقاس بوحدة تدعى الجراي (Gray ) وهي مقدار الإشعاع في الكيلوغرام أو المتر الواحد، وهذه الجرعة تكون قاتلة إذا تجاوزت 100 جراي.
مما تقدم أنفا فأننا نستنتج بأن قصة الفلم هي أقرب إلى الخيال منها إلى الحقيقة، نعم قد ينجو البعض من الانفجار النووي لكن من المستبعد نجاتهم من آثاره اللاحقة؛ تذكر عزيزي القارئ أننا نتحدث هنا عن ناجين كانوا بالقرب من موقع انفجار قنبلة ذرية، أي أنهم نجوا من العصف النووي المدمر ومن الحرارة العالية التي قد تذيب أقسى الصخور ومن الإشعاعات القاتلة التي قد تحرق وتمزق أنسجة الجسم (أشعة جاما)، والأغرب من ذلك كله هو أن هؤلاء الأشخاص بقوا في منطقة الانفجار واتخذوها مسكنا لهم وهطل الغبار الذري على رؤوسهم لأسابيع !! فهل يا ترى سيتحولون إلى مسوخ بشرية أم إلى جثث هامدة خلال أيام قلائل ؟ .. أن الأمر أشبه بأن نسمع بسقوط شخص إلى الأرض من فوق برج "خليفة" في دبي فنقول بغباء : حمدا لله على سلامته !!.
ضحايا التجارب النووية
ملصق الجزء الثاني من الفلم
الدول الكبرى أجرت أكثر من 500 اختبار نووي فوق سطح الأرض خلال العقود المنصرمة، والمشكلة الرئيسية في هذه الاختبارات والتجارب تتمثل في المخلفات النووية التي تبقى كامنة في التربة لآلاف السنين، وتستمر تأثيراتها المخربة لمدة طويلة، فعلى سبيل المثال، منطقة صحراء نيومكسيكو والتي شهدت أول اختبار لقنبلة ذرية في العالم في أواخر الحرب العالمية الثانية لازالت نسبة الإشعاعات النووية فيها أعلى بأضعاف من المعدلات العادية رغم مرور عشرات السنين على الاختبار ورغم بدائية القنبلة، أما صحراء نيفادا التي كانت مسرحا رئيسيا للتجارب النووية الأمريكية فلا زالت نسبة الإشعاعات فيها تشكل خطرا على حياة الإنسان حتى اليوم.
الاختبارات والتجارب النووية حول العالم تسببت بمآسي كبيرة بالنسبة للبشر القاطنين بالقرب من مناطق أجراءها، والذين لم يكن لأغلبهم علم مسبق بالتأثيرات المدمرة للإشعاع والغبار الذري على صحة الإنسان، بل أن معظمهم لم يكونوا يعلمون أصلا بنوع التجربة التي تم إجراءها بالقرب من مناطقهم. و النتيجة كانت إصابة العديد منهم بأمراض السرطان وتشوهات العظام والآفات الجلدية، إضافة إلى ولادة العديد من الأطفال المشوهين والمعاقين جسديا وذهنيا.
أطفال يابانيين ولدوا مشوهين بسبب الاشعاعات
وبعيدا عن مسوخ الفلم وإحداثه الخيالية .. هناك على أرض الواقع الآلاف وربما الملايين من ضحايا التجارب النووية حول العالم، في بلدان شهدت اختبارات لأسلحة نووية فوق سطح الأرض كأمريكا وكازاخستان والجزائر وبعض جزر المحيط الهادي، وفي بلدان تعرضت مفاعلاتها النووية لتسرب إشعاعي كما حدث في مفاعل تشرنوبيل الروسي في ثمانينيات القرن المنصرم. وكذلك في الدولة الوحيدة في العالم التي تعرضت لضربة نووية حقيقية، واقصد هنا اليابان، فهي المثال الحي والصارخ على التأثيرات المدمرة للسلاح النووي رغم بدائية القنابل التي ألقيت فوقها، فقنبلة "الولد الصغير" التي ألقيت على هيروشيما كانت قوتها التفجيرية 13 كيلوطن فقط، أي ما يعادل 13000 طن من مادة TNT شديدة الانفجار، وهي تعتبر متخلفة وضعيفة مقارنة بقوة القنابل الموجودة اليوم في ترسانات الدول الكبرى، كقنبلة القيصر الهيدروجينية التي فجرها الاتحاد السوفيتي السابق فوق المحيط المتجمد الشمالي عام 1961 وبلغت قوتها التفجيرية 50 ميغاطن أي نصف مليون طن من مادة الـ TNT -، ولك أن تتخيل عزيزي القارئ أي جحيم يمكن أن يولده انفجار مثل هذه القنبلة.
هيروشيما .. قبل وبعد الأنفجار
لكن قنبلة الولد الصغير برغم بدائيتها تسببت في دمار لم تعرف له البشرية مثيلا عبر تاريخها، فالعصف النووي دمر كل البنايات في محيط دائرة بلغ قطرها ميل واحد (1.6 كم) كما أحالت الحرارة المرتفعة كل شيء إلى ركام في محيط دائرة قطرها 3 كم، وشبت النيران والحرائق في محيط دائرة قطرها 11 كم.
القنبلة أدت إلى موت 70000 إنسان فور انفجارها، أي ما يعادل ثلث سكان هيروشيما آنذاك، وخلال الأيام والأسابيع التالية للانفجار مات آلاف آخرون نتيجة الحروق والجروح والاشعاعات القاتلة ليصل عدد الضحايا الكلي في نهاية عام 1945 إلى 140000 إنسان. كما تسببت الأمراض المميتة الناجمة عن الإشعاع كسرطان الغدة الدرقية وسرطان الدم وسرطان الجلد في مقتل الآلاف أيضا، ليبلغ العدد الكلي للضحايا قرابة مائتي ألف إنسان. أضف إلى ذلك، فقد أدت الضربة النووية إلى ولادة أجيال من الأطفال المشوهين والمعاقين بسبب تعرض أبائهم وأمهاتهم للإشعاعات النووية.
في الختام عزيزي القارئ .. وبغض النظر عن حقيقة القصة، تبقى سلسلة أفلام "التلال لها عيون" بأجزائها الثلاثة تستحق المشاهدة .. أما نصيحتنا الأخيرة لك فهي إياك ثم إياك من الدخول إلى الطرق الخارجية التي لا تعلم إلى أين تفضي حتى لو قالوا لك بأنها مختصرة .. لئلا ينتهي بك المطاف كوجبة عشاء لذيذة على مائدة عائلة آكلي لحوم البشر!!.
ملصق الجزء الاول 2006
الفلم يتحدث عن مجموعة من المسوخ البشرية التي تختبئ في منطقة نائية بعيدا عن أنظار الناس، ولتفسير وجود هذه المخلوقات
المشوهة نشاهد في مقدمة الفلم لقطات ومشاهد للتجارب النووية التي كانت الدول الكبرى تجريها بسرية تامة حول العالم، يتخلل تلك اللقطات عرض صور سريعة لأجنة بشرية أصيبت بتشوه خلقي نتيجة تعرض والديها للإشعاعات النووية. الفلم عبر هذه المقدمة يحاول إقناعنا بأن الإشعاعات الناجمة عن التجارب النووية هي التي أدت إلى ظهور هذه المسوخ المشوهة.
كاتب ومخرج الفلم الفرنسي الشاب "الكسندر أجا" تحدث عن فلمه قائلا : "لقد استندنا في وصفنا وإخراجنا إلى وثائق حقيقية، صور ولقطات أظهرت لنا تأثيرات الإشعاعات النووية في تشرنوبيل وهيروشيما".
آل كارتر والفخ القاتل
أفراد عائلة آل كارتر
في بداية الفلم، نشاهد عائلة آل كارتر وهي تنطلق في رحلة بالسيارة عبر صحراء نيومكسيكو الحارقة باتجاه مدينة سان دييغو في أقصى الغرب الأمريكي. العائلة تتألف من الأب بوب وزوجته إيثال ، الأبنتين لاين وبراندا، الابن بوبي، صهرهم دوغ، وأخيرا الحفيدة الصغيرة كاثرين، إضافة إلى كلبين.
خلال الرحلة يتوقف آل كارتر عند محطة وقود نائية في منطقة تكاد تكون مهجورة، صاحب المحطة العجوز يوهم العائلة بوجود طريق مختصر عبر الصحراء فيرسلهم عمدا إلى فخ مميت داخل أرض قاحلة جرداء كانت يوما ما محلا للتجارب النووية التي أجرتها الحكومة الأمريكية في فترة الحرب الباردة.
آل كارتر ابتلعوا الطعم بسهولة وساروا لوحدهم في ذلك الطريق المختصر الموحش والخالي من أي أثر للحياة، لكن مسيرتهم لم تمضي بعيدا، فما أن قطعوا مسافة قصيرة من الطريق حتى قام شخص مجهول برمي سلسلة معدنية مسننة تحت إطاراتهم مما أدى إلى تمزقها مما أدى إلى فقدان الأب بوب لسيطرته على السيارة فأصطدم بصخرة كبيرة. والآن مع سيارة معطلة وإطارات ممزقة داخل تلك
الأرض الموحشة سيواجه آل كارتر محنة رهيبة لن نخوض في تفاصيلها لكي لا نفسد على القارئ العزيز متعة مشاهدة الفلم، لكنها باختصار ستكون صراعا مريرا ودمويا مع مجموعة من المسوخ البشرية المرعبة التي حولت تلك الأرض الجرداء إلى فخ مميت لصيد طرائدها البشرية.
هل لقصة الفلم أي أساس حقيقي ؟
كما أسلفنا، فلم "التلال لها عيون" مقتبس عن فلم رعب أقدم يحمل نفس العنوان تم أنتاجه عام 1977، أحداث الفلم السبعيني تدور حول عائلة تعيش وحيدة في منطقة نائية وتمارس أكل لحوم البشر. القصة برمتها مقتبسة عن حكاية شعبية اشتهرت في الريف الاسكتلندي خلال القرن الثامن عشر وتدور حول عائلة ساوني بين (Sawney Bean ) المتوحشة، والتي سبق أن كتبنا مقالا مفصلا عنها في هذا الموقع .. لكن للتذكير فقط .. "ساوني بين" كان أبن فلاح اسكتلندي لجأ مع زوجته إلى كهف كبير يقع على شواطئ جالواي في اسكتلندا. هناك في مخبأهم المظلم أنجب الزوجان عدد كبير من الأبناء والبنات، ولأنهم عاشوا في عزلة تامة عن البشر، لذلك قام ساوني بتزويج بناته لأبنائه، وبمرور الأعوام ازداد عدد الأحفاد والحفيدات نتيجة زنا المحارم بين الأشقاء والشقيقات فتحولت العائلة إلى عشيرة صغيرة
وحوش عائلة ساوني بين عاشوا داخل كهفهم المتواري عن الأنظار خلف الأحراش ومياه البحر لقرابة الخمسة والعشرين عاما. وخلال تلك السنوات الطوال كانوا يحصلون على طعامهم من لحوم المسافرين التعساء الذين كان حظهم العاثر يقودهم للمرور بالأرض المحاذية للكهف.
لكن جرائم العائلة وصلت إلى نهايتها الحتمية في أحد الأيام عندما افلت من قبضتها احد المسافرين بعدما شاهد بأم عينه زوجته المسكينة وهي تذبح كالشاة ويتم تقطيع جسدها إلى أشلاء من قبل أبناء وبنات ساوني المتوحشين، الرجل المذعور أنطلق على فرسه بأقصى سرعة نحو العاصمة جلاسكو من اجل إخبار السلطات هناك عما شاهده.
ملك اسكتلندا الذي كان اختفاء المسافرين الغامض قد أزعجه لمدة طويلة أمر في الحال بتجريد حملة عسكرية ضخمة لتفتيش ريف جالواي شبرا شبرا، ولحسن الحظ انتهت تلك الحملة بإلقاء القبض على جميع أفراد العائلة الدموية؛ الملك طلب من جلاديه بأن لا تأخذهم بساوني بين وعائلته أي رأفة أو رحمة، أمر بإبادتهم جميعا، رجال ونساء وأطفال، وقد نفذ الجلادين أوامره بحذافيرها فكان موت شياطين العائلة مؤلما وبطيئا، ففي البداية قاموا بتقطيع أوصال الذكور وتركوهم ينزفون حتى الموت، أما النساء فقد تم إحراقهن في ثلاث نيران كبيرة منفصلة.
في الواقع ينبغي أن ننوه بأن المؤرخين أنقسموا حول حقيقة أحداث قصة "ساوني بين"، فالبعض يعتبرها مجرد خرافة شعبية لا أساس لها من الصحة، فيما هناك من يعتقد بأنها تستند بالفعل إلى أحداث واقعية جرت خلال القرن السادس عشر. لكن على كل حال، وأيا ما كانت الحقيقة، فأن القصة التي ذاع صيتها ألهمت العديد من صانعي أفلام الرعب لاقتباس نموذج العائلة المتوحشة لاستخدامها في أفلامهم، ومنها بالطبع فلمنا موضوع البحث.
حقيقة الاختبارات النووية
مناورة للجيش الامريكي تضمنت تفجير قنابل ذرية
فلم "التلال لها عيون" تميز بمسوخه التي برع صانعو الفلم في تجسيدها على الشاشة عن طريق الماكياج والخدع البصرية التي يوفرها الحاسوب، كما أحسنوا في تقديم تفسيرات حول سبب وجود تلك الكائنات المشوهة في تلك الصحراء النائية، فالمنطقة التي يصورها الفلم، أي صحراء نيومكسيكو، كانت بالفعل مسرحا لأول تجربة نووية أجرتها الولايات المتحدة عام 1945 والتي قاد نجاحها إلى إلقاء قنبلة الولد الصغير (Little Boy ) فوق مدينة هيروشيما اليابانية في 6 آب / أغسطس عام 1945، وتلا ذلك بثلاثة أيام إلقاء قنبلة الرجل البدين (Fat Man ) فوق مدينة ناجازاكي. كما أن الفلم لا يخلو من حقائق موثقة، كالبلدة الزائفة التي نشاهدها خلال الفلم والمليئة بالعرائس البلاستيكية، ومثل هذه البلدات كان الجيش الأمريكي يشيدها فعلا في مناطق التجارب النووية لدراسة القوة التدميرية للقنبلة محل الاختبار على المدن والناس.
لكن هل التفسير الذي يقدمه الفلم لوجود المسوخ البشرية مقنع ؟ فالفلم يفترض بأن السلطات الأمريكية فشلت في أخلاء منطقة الاختبار النووي بالكامل، مما أدى إلى تعرض بعض السكان للآثاره المدمرة، وأسوء هذه الآثار بالنسبة للناجين تتمثل في الإشعاعات النووية والغبار الذري الذي يستمر بالهطول لأسابيع بعد التفجير، وتتألف الإشعاعات من الجسيمات المشحونة (البروتونات وجسيمات ألفا وبيتا والإلكترونات) والإشعاعات الكهرومغناطيسية (الأشعة السينية وأشعة جاما) والنيوترونات. ومن الناحية الطبية، فلهذه الإشعاعات آثار وخيمة على صحة الإنسان، وقد تؤدي جرعة صغيرة منها إلى أصابته بالعديد من الأمراض والأورام الخبيثة، كما أن احتمال تشوه الأجنة وارد جدا في حالة الأم الحامل (1). وقد أثبتت الأبحاث العلمية الحديثة بأن هذه الإشعاعات يمكن أن تؤدي أيضا إلى ولادة أطفال متخلفين عقليا.
ومن الناحية التطبيقية، فأن إمكانية بقاء بعض الأشخاص على قيد الحياة رغم تواجدهم في منطقة تفجير نووي ليست مستبعدة، لكن ذلك يعتمد بصورة أساسية على مدى بعدهم عن مركز الانفجار، أي نقطة الصفر التي تكون نسبة الموت فيها مائة في المائة، وهذه النقطة قد تشمل محيط دائرة يصل قطرها إلى عدة أميال وذلك حسب قوة القنبلة والارتفاع الذي فجرت فيه فوق سطح الأرض (2). ونسبة النجاة ستكون أعلى بالطبع في حالة وجود هؤلاء الأشخاص في ملجأ أو منجم تحت سطح الأرض، لكن من المستبعد جدا تحولهم إلى مسوخ بشرية كما في الفلم، فالأشخاص الذين يتواجدون بالقرب من مراكز الإشعاع النووي والذين يتعرضون لجرعة زائدة سيموتون لا محالة بعد فترة زمنية قد تطول أو تقصر وذلك تبعا لحجم الجرعة التي تعرضوا لها والتي تقاس بوحدة تدعى الجراي (Gray ) وهي مقدار الإشعاع في الكيلوغرام أو المتر الواحد، وهذه الجرعة تكون قاتلة إذا تجاوزت 100 جراي.
مما تقدم أنفا فأننا نستنتج بأن قصة الفلم هي أقرب إلى الخيال منها إلى الحقيقة، نعم قد ينجو البعض من الانفجار النووي لكن من المستبعد نجاتهم من آثاره اللاحقة؛ تذكر عزيزي القارئ أننا نتحدث هنا عن ناجين كانوا بالقرب من موقع انفجار قنبلة ذرية، أي أنهم نجوا من العصف النووي المدمر ومن الحرارة العالية التي قد تذيب أقسى الصخور ومن الإشعاعات القاتلة التي قد تحرق وتمزق أنسجة الجسم (أشعة جاما)، والأغرب من ذلك كله هو أن هؤلاء الأشخاص بقوا في منطقة الانفجار واتخذوها مسكنا لهم وهطل الغبار الذري على رؤوسهم لأسابيع !! فهل يا ترى سيتحولون إلى مسوخ بشرية أم إلى جثث هامدة خلال أيام قلائل ؟ .. أن الأمر أشبه بأن نسمع بسقوط شخص إلى الأرض من فوق برج "خليفة" في دبي فنقول بغباء : حمدا لله على سلامته !!.
ضحايا التجارب النووية
ملصق الجزء الثاني من الفلم
الدول الكبرى أجرت أكثر من 500 اختبار نووي فوق سطح الأرض خلال العقود المنصرمة، والمشكلة الرئيسية في هذه الاختبارات والتجارب تتمثل في المخلفات النووية التي تبقى كامنة في التربة لآلاف السنين، وتستمر تأثيراتها المخربة لمدة طويلة، فعلى سبيل المثال، منطقة صحراء نيومكسيكو والتي شهدت أول اختبار لقنبلة ذرية في العالم في أواخر الحرب العالمية الثانية لازالت نسبة الإشعاعات النووية فيها أعلى بأضعاف من المعدلات العادية رغم مرور عشرات السنين على الاختبار ورغم بدائية القنبلة، أما صحراء نيفادا التي كانت مسرحا رئيسيا للتجارب النووية الأمريكية فلا زالت نسبة الإشعاعات فيها تشكل خطرا على حياة الإنسان حتى اليوم.
الاختبارات والتجارب النووية حول العالم تسببت بمآسي كبيرة بالنسبة للبشر القاطنين بالقرب من مناطق أجراءها، والذين لم يكن لأغلبهم علم مسبق بالتأثيرات المدمرة للإشعاع والغبار الذري على صحة الإنسان، بل أن معظمهم لم يكونوا يعلمون أصلا بنوع التجربة التي تم إجراءها بالقرب من مناطقهم. و النتيجة كانت إصابة العديد منهم بأمراض السرطان وتشوهات العظام والآفات الجلدية، إضافة إلى ولادة العديد من الأطفال المشوهين والمعاقين جسديا وذهنيا.
أطفال يابانيين ولدوا مشوهين بسبب الاشعاعات
وبعيدا عن مسوخ الفلم وإحداثه الخيالية .. هناك على أرض الواقع الآلاف وربما الملايين من ضحايا التجارب النووية حول العالم، في بلدان شهدت اختبارات لأسلحة نووية فوق سطح الأرض كأمريكا وكازاخستان والجزائر وبعض جزر المحيط الهادي، وفي بلدان تعرضت مفاعلاتها النووية لتسرب إشعاعي كما حدث في مفاعل تشرنوبيل الروسي في ثمانينيات القرن المنصرم. وكذلك في الدولة الوحيدة في العالم التي تعرضت لضربة نووية حقيقية، واقصد هنا اليابان، فهي المثال الحي والصارخ على التأثيرات المدمرة للسلاح النووي رغم بدائية القنابل التي ألقيت فوقها، فقنبلة "الولد الصغير" التي ألقيت على هيروشيما كانت قوتها التفجيرية 13 كيلوطن فقط، أي ما يعادل 13000 طن من مادة TNT شديدة الانفجار، وهي تعتبر متخلفة وضعيفة مقارنة بقوة القنابل الموجودة اليوم في ترسانات الدول الكبرى، كقنبلة القيصر الهيدروجينية التي فجرها الاتحاد السوفيتي السابق فوق المحيط المتجمد الشمالي عام 1961 وبلغت قوتها التفجيرية 50 ميغاطن أي نصف مليون طن من مادة الـ TNT -، ولك أن تتخيل عزيزي القارئ أي جحيم يمكن أن يولده انفجار مثل هذه القنبلة.
هيروشيما .. قبل وبعد الأنفجار
لكن قنبلة الولد الصغير برغم بدائيتها تسببت في دمار لم تعرف له البشرية مثيلا عبر تاريخها، فالعصف النووي دمر كل البنايات في محيط دائرة بلغ قطرها ميل واحد (1.6 كم) كما أحالت الحرارة المرتفعة كل شيء إلى ركام في محيط دائرة قطرها 3 كم، وشبت النيران والحرائق في محيط دائرة قطرها 11 كم.
القنبلة أدت إلى موت 70000 إنسان فور انفجارها، أي ما يعادل ثلث سكان هيروشيما آنذاك، وخلال الأيام والأسابيع التالية للانفجار مات آلاف آخرون نتيجة الحروق والجروح والاشعاعات القاتلة ليصل عدد الضحايا الكلي في نهاية عام 1945 إلى 140000 إنسان. كما تسببت الأمراض المميتة الناجمة عن الإشعاع كسرطان الغدة الدرقية وسرطان الدم وسرطان الجلد في مقتل الآلاف أيضا، ليبلغ العدد الكلي للضحايا قرابة مائتي ألف إنسان. أضف إلى ذلك، فقد أدت الضربة النووية إلى ولادة أجيال من الأطفال المشوهين والمعاقين بسبب تعرض أبائهم وأمهاتهم للإشعاعات النووية.
في الختام عزيزي القارئ .. وبغض النظر عن حقيقة القصة، تبقى سلسلة أفلام "التلال لها عيون" بأجزائها الثلاثة تستحق المشاهدة .. أما نصيحتنا الأخيرة لك فهي إياك ثم إياك من الدخول إلى الطرق الخارجية التي لا تعلم إلى أين تفضي حتى لو قالوا لك بأنها مختصرة .. لئلا ينتهي بك المطاف كوجبة عشاء لذيذة على مائدة عائلة آكلي لحوم البشر!!.
تعليقات
إرسال تعليق