شارع المقبرة

شارع المقبرة



يا ترى ماذا يجري في المقبرة تحت جنح الظلام ..
كان البدر أول الليل حين عدت من بيت خالتي في المدينة وكان حلمي يسبقني بأن أصل البيت وأرى والداي اللذان اشتقت لهما فقد دام غيابي عشرين يوما  . وحين حطت السيارة رحالها بأول القرية اندفعت إلى الحي الذي يقع فيه منزلنا وكانت الساعة التاسعة , وفي هذا الوقت كانت الكهرباء تنقطع لمدة ثلاث ساعات على الأقل وما كان لينار الشارع لولا ضوء القمر مصحوبا بغيوم تعكر صفوه .
الشتاء لم يحرمني من خوض مغامرة مع الظلام حيث اكتست السماء بوشاحها الأسود واقتصرت إنارتها على بضع خطوط زرقاء كانت كافية لكي أتوه عن طريقي وادخل مقبرة القرية ذلك المكان الذين يخافون المرور بقربه وقادني حظي السيئ إليه .. أيقنت حينها إنني تائه , فجلست انتظر لحين حدوث أمرين , إما عودة الكهرباء أو انجلاء السحب وظهور القمر من جديد .. وكان الأمر الثاني هو الصحيح ..
وبالعودة لقصة المقبرة لم أعي بأني قد دخلت أسوارها العتية المخيفة إلى أن انجلت السحب بعد ساعة فأحسست بالخوف يأكل جسدي , وتزايد مقدار الأدرينالين في عروقي , ولاحت لي القبور فكدت أجن بسبب شعور الرهبة الذي كان يحكمني آنذاك , ولم أعثر على باب الخروج الذي لم يكن بابا حقيقيا بل لم يكن إلا فتحة محفورة بالحائط كي يمر منها شخص واحد ..
فجأة التفت فهيأ لي أنني رأيت ميتا يمشي نحوي فركضت وأقنعت نفسي بأني أتخيل , ثم سمعت صوتا خلف شجرة التوت القديمة , لكن هذه المرة لم يكن محض خيال , بل كان هناك فعلا شخص لم أتبين ملامح وجهه بشكل جيد .. لكني رأيت بين يديه جثة وبجانبها قبر منبوش .. وصرخ بي قائلا : ماذا تفعل هنا ؟ .. دعني وزوجتي بأمان ..
فكان الفعل الأنسب إني تركت المكان ووجدت باب الخروج , وأخبرت المسئول عن المقبرة بما حدث معي وذهبنا كي نتفحص سويا مكان القبر , لكن حين وصلنا إلى الشجرة الوحيدة في المقبرة والتي بجانبها القبر وجدنا القبر كما هو كأنه لم يمس منذ سنة وعليه ورود‏ !‏ .. فجننت وقلت لنفسي هل كانت تهيؤات ؟ .. لكن لا .. لا يعقل أن تكون كذلك ‏! .
ولاحقا حين تحققت من اسم صاحبة القبر عرفت بأني لم أكن أتخيل وبأنها كانت فعلا بين أحضان زوجها ‏الذي اعرف عنه حبه الشديد لزوجته , فلما ماتت جن جنون الرجل ..
لكن هل يصل الحب إلى درجة انتهاك حرمة القبور ؟! ..

تعليقات