مدينة كاملة نحتت من الصخر و لا يمكن الدخول اليها الا من ممر ضيق يخترق الجبال
صورة تصور مبنى الخزانة في البتراء و هو احد اجمل و اشهر الابنية فيها
البتراء مدينة قديمة تقع على مسافة 250 كم الى الجنوب من العاصمة
الأردنية عمان , احتضنت الصخور الوردية لوادي موسى أطلالها الساحرة , و قد
سمي الوادي نسبة إلى نبي الله موسى الذي يعتقد انه أقام فيه مع قومه لردح
من الزمن قبل دخولهم إلى ارض فلسطين , و حسب بعض الروايات , فأن هذا
المكان هو الذي ضرب فيه موسى الحجر فتدفقت منه اثنتا عشر عينا على عدد
أسباط بني إسرائيل , و على الجبل الذي تنتصب البتراء على سفحه , يعتقد بأن
النبي موسى دفن أخاه هارون هناك و لذلك سمي الجبل بجبل هارون , و هذه
المنطقة رغم انها ذات طبيعة صحراوية الا ان الإنسان سكنها منذ أقدم العصور ,
ففي نهاية الألف الثاني قبل الميلاد كانت هذه الأرض جزءا من مملكة
الادوميين , و هم من الأقوام السامية (1)
الذين جاء ذكرهم في التوراة , حيث يبدو ان علاقتهم مع العبرانيين (بنو
إسرائيل) لم تكن جيدة فلم يسمحوا لموسى بعبور أرضهم لدخول فلسطين , و رغم
ان الادوميين ذكروا في الألواح الأشورية في حوالي القرن الثامن قبل
الميلاد الا ان تاريخهم يشوبه الكثير من الغموض و ذلك لأنهم لم يتركوا
خلفهم لغة مكتوبة , و يبدو أنهم استغلوا فرصة اكتساح الملك البابلي نبوخذ
نصر لمملكة يهوذا اليهودية في القرن السادس قبل الميلاد و ترحيله لسكانها
من اليهود قسرا الى ارض بابل , لذلك انتقل الادوميون الى ارض فلسطين
تاركين أرضهم الممتدة جنوب البحر الميت للأنباط , و هم قبائل سامية كانوا
يتكلمون اللغة الآرامية , أسسوا مملكة صغيرة و اتخذوا من البتراء عاصمة
لهم , و البتراء هو الاسم الروماني للمدينة اما الأنباط فكانوا يطلقون
عليها "سلع" او "رقيم" , و قد تميزت المدينة بموقع جغرافي استراتيجي و
مهم لتوسطها طريق القوافل التجارية القادمة من بلاد فارس و العراق و اليمن
باتجاه الشام و مصر , و قد ساهمت الجبال و الصخور الرملية المحيطة
بالمدينة في تحويلها الى ما يشبه الحصن الطبيعي فأصبحت محط رحال قوافل
التوابل و العطور و الصمغ العربي و غيرها من البضائع النفيسة , و كان
الأنباط يجبون الضرائب و المكوس من هذه القوافل المارة بأرضهم مقابل
الحماية من اللصوص و قطاع الطرق كما كانوا يشترون البضائع الوافدة من
الشرق فيبيعونها بأسعار مضاعفة في غزة و دمشق و مصر , و قد أدت هذه الحركة
التجارية المزدهرة الى تدفق الأموال و الثروات على المدينة فأصبحت إحدى
أغنى مدن ذلك الزمان و تفنن أهلها الأثرياء في تشييد الصروح العظيمة التي
نحتوها في الصخور الوردية لوادي موسى و لذلك سميت البتراء بـ "المدينة
الوردية" , و كانت بعض هذه الصروح مخصصة للآلهة و أخرى كقبور للموتى , كما
ان بيوت السكان حفرت في جوف الصخر أيضا , و ربما تكون أعظم انجازات
الأنباط هي نظام الري الرائع و الدقيق الذي أقاموه في المدينة , فقد
تحكموا بمياه العيون و الآبار عن طريق إنشاء السدود و الخزانات و أوصلوا
الماء الى كل جزء تقريبا من أجزاء المدينة , و في الحقيقة ان استمرار
الحياة و ديمومتها في البتراء تعود بالدرجة الأولى الى هذا النظام
الاروائي الدقيق الذي ساعد السكان على تحمل البيئة الصحراوية و القاحلة
المحيطة بهم , و من الناحية الثقافية فقد تأثر أنباط البتراء بجيرانهم
العرب كثيرا , فتحولت لغتهم تدريجيا الى العربية و عبدوا الآلهة العربية
ذو شرى و اللات و هبل و مناة و العزى , و يبدو ان سكان المدينة كانوا
خليطا من العرب و الأنباط و كانت أسماء بعض ملوكهم عربية.
في القرن الرابع قبل الميلاد قام الاسكندر المقدوني بمهاجمة آسيا فدحر جيوش الإمبراطورية الاخمينية الفارسية و أسقطها و وصلت جحافله حتى الهند , و قد توفى الاسكندر شابا في بابل فتقاسم إمبراطوريته المترامية الأطراف جنرالات جيشه , فتأسست دولة البطالسة في مصر و دولة السلوكيين في العراق , و قد عرفت هذه الحقبة التاريخية بالعصر الهيليني و تميزت بامتزاج الفن و الثقافة الشرقية مع الإغريقية , و قد استغل الأنباط لفترة الحروب هذه و عدم الاستقرار التي شملت منطقة الشرق الأوسط فوسعوا مملكتهم الصغيرة ليستحوذوا على أجزاء كبيرة من الشام و سيطروا بشكل كامل على طرق التجارة بين الشرق و الغرب و سكوا العملة المعدنية بأسم ملوكهم , كما تأثروا بشكل واضح بالثقافة الهيلينية و يبدو هذا التأثر جليا في اسلوب النحت و الزخرفة الذي استخدموه في بناء صروحهم و معابدهم و هو مزيج من الفن الفرعوني و الإغريقي.
في القرن الرابع قبل الميلاد قام الاسكندر المقدوني بمهاجمة آسيا فدحر جيوش الإمبراطورية الاخمينية الفارسية و أسقطها و وصلت جحافله حتى الهند , و قد توفى الاسكندر شابا في بابل فتقاسم إمبراطوريته المترامية الأطراف جنرالات جيشه , فتأسست دولة البطالسة في مصر و دولة السلوكيين في العراق , و قد عرفت هذه الحقبة التاريخية بالعصر الهيليني و تميزت بامتزاج الفن و الثقافة الشرقية مع الإغريقية , و قد استغل الأنباط لفترة الحروب هذه و عدم الاستقرار التي شملت منطقة الشرق الأوسط فوسعوا مملكتهم الصغيرة ليستحوذوا على أجزاء كبيرة من الشام و سيطروا بشكل كامل على طرق التجارة بين الشرق و الغرب و سكوا العملة المعدنية بأسم ملوكهم , كما تأثروا بشكل واضح بالثقافة الهيلينية و يبدو هذا التأثر جليا في اسلوب النحت و الزخرفة الذي استخدموه في بناء صروحهم و معابدهم و هو مزيج من الفن الفرعوني و الإغريقي.
بقيت البتراء عاصمة لمملكة الأنباط لقرابة الخمسة
قرون , الا انها فقدت استقلالها و سقطت بيد الرومان عام 106 للميلاد , بعد
عام كامل من الحصار , و أصبحت جزءا حدوديا في الإمبراطورية الرومانية , و
سرعان ما بدئت أوضاع المدينة تتدهور بعد الاحتلال و ذلك لعدة أسباب ,
منها الحروب المستمرة بين الروم و الفرس الساسانيين و كذلك بين الممالك
العربية التابعة لهاتين الإمبراطوريتين و هم الغساسنة في الشام و المناذرة
في العراق , و قد كان لهذه الحروب أثرها المخرب على الحركة التجارية , كما
يعتقد بأن البتراء استبيحت أكثر من مرة على يد الجيش الفارسي أثناء
غاراته المتكررة على الحدود الرومانية في الشام , و مما زاد الطين بله هو
ان القوافل التجارية بدئت تحول طريقها تدريجيا الى مدينة تدمر التي أخذت
تبرز كقوة تجارية و عسكرية صاعدة منذ أوائل القرن الثالث للميلاد , كما ان
الطبيعية الجبلية المحيطة بالمدينة و التي ساهمت في صعود نجم البتراء كان
لها اليد الطولى أيضا في القضاء عليها , إذ تعرضت المدينة لعدة زلازل
مدمرة في القرن الرابع للميلاد , و نتيجة لكل هذه العوامل أنفة الذكر فقد
انتهت البتراء كمدينة منذ مطلع القرن الخامس للميلاد , الا انها استمرت
كمركز ديني مسيحي حتى وصول جحافل جيوش مسلمين الى بلاد الشام في القرن
السابع , و خلال العصور الوسطى نسيت المدينة تماما و صارت مرتعا للصوص
الذين خربوا الكثير من أثارها بحثا عن الكنوز القديمة , و رغم ان العرب و
خصوصا القبائل البدوية الساكنة في المنطقة كانوا على علم بوجود آثار
البتراء , الا ان العالم الغربي لن يسمع عن البتراء الا في عام 1812 عندما
زار أطلالها و كتب عنها الرحالة الغربي يوهان لويس بوركهاردت , و في عام
1839 نشر الرسام ديفيد روبرتس عدة لوحات كان قد رسمها عن معالم المدينة
التاريخية , و قد أثارت هذه اللوحات إعجاب و فضول الغربيين بشدة و منذ ذلك
الحين تدفقت الرحلات الى المدينة من اجل التنقيب و السياحة , و في عام
1985 أضافت اليونسكو مدينة البتراء الى قائمة مواقع التراث العالمي , كما
انتخبت في عام 2007 كواحدة من عجائب الدنيا السبع الجديدة.
هناك
الكثير من الآثار و المواقع الرائعة في المدينة , و الزائر لها اليوم ,
يحط رحاله أولا في بلدة وادي موسى القريبة و من هناك يمكنه التوجه مشيا او
على ظهور الحيوانات نحو اثار البتراء الواقعة في الجبال المقابلة للبلدة ,
و ربما يكون أكثر ما يبهر السائحين عند ورودهم الى المدينة هو المدخل
المؤدي اليها و يسمى السيق و الذي يعتقد انه مشتق من كلمة "شق" العربية ,
اذ انه عبارة عن ممر طويل يمتد لأكثر من ألف متر مخترقا صخرتين عظيمتين
يصل ارتفاعهما في بعض الأماكن الى 91 – 182 مترا , و يشعر الزائر أثناء
سيره داخل السيق بأنه في عالم آخر خارج الزمان و المكان و يضفي التمازج
الجميل لألوان الصخور المختلفة المحيطة بالممر المزيد من السحر و الغموض
على المكان , و عند الخروج من السيق يجد الزائر نفسه أمام احد أجمل و أشهر
آثار البتراء و هو مبنى الخزانة الذي نحت في قلب الصخور الوردية بارتفاع
الأربعين متر تقريبا , و سمي المبنى بالخزانة لأن البدو في المنطقة كانوا
يعتقدون بأنه يضم كنزا قديما , و هناك الكثير من الآثار الأخرى في البتراء
التي تجذب السائحين مثل المدرج الروماني و الدير و قصر البنت و المحكمة و
معبد المدينة و كلها نحتت في الصخر و أبدع الفنان النبطي القديم في قطعها
و زخرفتها.
تعليقات
إرسال تعليق