عجائب الدنيا السبع (الجديدة) .. سور الصين العظيم

أطول سور في تاريخ البشرية يمتد لـ 8852 كيلومتر


صورة لأحد اجزاء سور الصين العظيم , قد يظن البعض ان السير عليه مهمة يسيرة لكن بعد تسلق عدد من السلالم يعلم المرء جيدا مدى صعوبة الامر و اغلبهم يترك المحاولة

الحضارة الصينية هي واحدة من أقدم و اعرق الحضارات في العالم , تعود بواكيرها إلى الألف الثالث قبل الميلاد حيث كانت آنذاك مقسمة إلى عدة مقاطعات شاسعة خاضعة لسيطرة مجموعة من الحكام المحليين , و رغم أن هؤلاء الحكام المحليين ما فتئوا يقاتل احدهم الأخر إلا أن الله ابتلاهم جميعا بجار همجي و مرعب , طالما اجتاح أرضهم و سبب لهم الخسائر الفادحة في الأرواح و الممتلكات , هذا الموت الداهم لم يكن سوى قبائل المغول البدوية المتنقلة على الحدود الشمالية للصين , و لصد هذا الخطر المزمن فقد قامت بعض المقاطعات الصينية الشمالية منذ القرن السادس قبل الميلاد ببناء أسوار طينية على حدودها لوقف الغزاة و إبعادهم , و قد شكلت تلك الأسوار المتفرقة و المتباعدة النواة الأولى لما سيعرف لاحقا بسور الصين العظيم الذي بدء العمل الفعلي على تشييده في القرن الثالث قبل الميلاد في عهد سلالة تشين , إذ أوعز ببنائه إمبراطور الصين الأول تشين شي هيونك و خصص لتلك الغاية الموارد العظيمة , و يروي المؤرخون أن قرابة 800000 شخص ساهموا في بناء السور و عملوا على تشييده لعقود طويلة و في ظروف صعبة أودت بحياة الكثير منهم , و لأن توفير مواد البناء و نقلها لإنجاز مشروع بهذه الضخامة كان أمرا عسيرا في ذلك الزمان , لذلك اعتمد البناءون الصينيون على مواد البناء المتاحة في موقع العمل , فكانت أجزاء السور الواقعة في السهول تبنى من الطين أما الأجزاء التي تمر بالأودية و الجبال فكانت تشيد من الحجر , و قد تمخض هذا العمل الشاق و الجبار عن سور أسطوري أحاط بحدود الصين القديمة من الشرق إلى الغرب و ساهم بشكل فعال في صد الكثير من هجمات البرابرة الشماليين لعدة قرون.
في العصور اللاحقة , قام الأباطرة من مختلف السلالات التي تعاقبت على حكم الصين بترميم السور و تحصينه عن طريق بناء أجزاء جديدة و سد الثغرات و تعزيز قدراته الدفاعية بأبراج الحراسة و المراقبة العالية , و لأن السور امتد لمسافة آلاف الكيلومترات بمحاذاة حدود الصين الشمالية نحو الغرب , لذلك و منذ القرون الأولى لتشييده أخذت قوافل تجار طريق الحرير تسير بمحاذاته في طريقها إلى غرب الصين و ذلك للاستفادة من الحماية التي توفرها أبراج للمراقبة الممتدة على طوله و التي يفصل بين الواحدة و الأخرى مسافة قصيرة , و يوجد في كل برج مجموعة من الجنود بإمرة ضابط و تكون مهمتهم الرئيسية هي الحراسة و المراقبة و نقل الأخبار عن تحركات الجيوش المعادية , و يتم نقل الرسائل و أوامر الحكومة من برج إلى أخر حتى تصل إلى العاصمة أو ترسل منها إلى أجزاء الإمبراطورية المختلفة بزمن قياسي نسبتا إلى ذلك الزمان , و قد زودت الأسوار و الأبراج بفتحات صغيرة لرمي الأعداء بالنبال في حال اقترابهم من السور.
لم ينجح السور دوما في صد الغزاة , إذ رغم طوله و مناعته إلا أن المغول كانوا في بعض الأحيان يدورن حوله أو يستغلون النقاط الضعيفة في الجبال و الغابات و مجاري الأنهر الموسمية للعبور , و التحدي الأكبر الذي واجهه السور كان في القرن الثالث عشر عندما قرر جنكيزخان غزو الصين و إنهاء حكم سلالة جيان , و قد سار بجحافله الضخمة حتى توقف أمام أقوى أجزاء السور و أكثرها تحصينا , و هو الجزء المحيط بمدينة بكين العاصمة , و يقال إن جنكيزخان حاول عبثا اختراق البوابات الحجرية العملاقة للسور لكن جميع المحاولات باءت بالفشل الذريع , و نتيجة لذلك فقد قبع المغول خلف السور و لم يتمكنوا من اختراقه لعدة أشهر , لكن خيانة احد الجنرالات الصينيين هي التي أنقذتهم من التعفن خلف الأسوار , إذ إن هذا الجنرال الصيني قام بإرشاد خيالة المغول إلى ثغرة سرية (يقال مجرى احد الأنهر الجافة) فاقتحموا السور و هاجموا أبراج الحراسة من الخلف على حين غرة فقتلوا الجنود و فتحوها البوابات لتعبر جحافل الموت المغولية بسهولة و تعيث فسادا و قتلا في الأراضي الصينية لعدة سنوات.
أسس المغول بعد احتلالهم للصين سلالة حكمت البلاد زهاء القرنين و خلال تلك الفترة تم إهمال سور الصين العظيم لأن الصين أصبحت جزءا من الإمبراطورية المغولية و لم تعد هناك حاجة للحماية التي كان يوفرها السور لذلك لم يوله الأباطرة المغول أي اهتمام , و لهذا السبب أيضا فأن الرحالة الايطالي الشهير "ماركو بولو" لم يأتي على ذكر السور خلال رحلته إلى الصين التي عاش فيها لفترة من الزمن في عهد قوبلاي خان خليفة جنكيزخان, فرغم انه كتب بإسهاب حول عظمة الإمبراطورية المغولية وعن كل شاردة و واردة رآها أثناء رحلته إلا انه لم يذكر سور الصين العظيم و هذا دليل على أن السور كان مهملا و منسيا في تلك الفترة.
في القرن الخامس عشر تم طرد المغول من الصين و تربع أباطرة سلالة مينك على عرش البلاد , و قد أولى هؤلاء الأباطرة منذ بداية حكمهم اهتماما و عناية كبيرة لسور الصين العظيم و تم في عهدهم ترميم أكثر أجزاءه القديمة و بناء أجزاء أخرى جديدة , و اليوم اغلب أجزاء السور الموجودة تعود إلى عصر سلالة مينك , و قد تميزت هذه الفترة باستعمال الآجر و القرميد في البناء و ذلك لقوته و سهولة صنعه و نقله , كما ازداد ارتفاع الأسوار ليصل في بعض المناطق إلى 8 أمتار و بلغ ارتفاع بعض أبراج المراقبة 12 مترا.
في عام 1600 للميلاد قام حكام منشوريا بمحولة غزو الصين لكنهم اصطدموا بسورها العظيم و فشلوا في عبوره لسنوات طويلة , لكن في عام 1644 و نتيجة لخيانة احد الجنرالات الصينيين , الناقمين على الحكومة , تمكن المانشو أخيرا من عبور بوابات السور التي فتحت لهم من الداخل ثم تقدموا بسرعة نحو العاصمة بكين فاحتلوها و أسسوا سلالة تشينك التي حكمت الصين حتى الحرب العالمية الأولى في القرن العشرين.
تحت حكم سلالة تشينك توحدت الصين مع منشوريا فتوسعت حدود الإمبراطورية الجديدة نحو الشمال و أصبحت منغوليا جزءا من الصين لذلك لم تعد هناك أي أهمية أو فائدة لسور الصين العظيم و نتيجة لذلك ناله الإهمال و النسيان لقرون متمادية و اختفت اغلب أجزاءه , إذ اندثرت أقسامه الطينية بفعل عوامل التعرية الطبيعية , أما الأقسام الآجرية و الحجرية فقد هدم  الفلاحين القرويون أجزاء كبيرة منها لغرض الاستفادة من موادها في بناء بيوتهم , و اليوم لم يتبقى من السور سوى أقسام قليلة بحالة جيدة , خاصة في المنطقة الشرقية القريبة من بكين العاصمة حيث تمتد عدة كيلومترات من أقوى أجزاء السور و أكثرها تحصينا , و قد أصبحت هذه الأجزاء قبلة للسياح من مختلف أنحاء العالم , و لو قيض لك عزيزي القارئ يوما ما زيارة السور و رأيته و هو يتسلق بإصرار الجبال الشاهقة و المنحدرات المخيفة لعلمت بأنه حقا عجيبة من عجائب الزمان تستحق أن تعتبرها اليونسكو من ضمن التراث العالمي و أن تنتخب كإحدى عجائب الدنيا السبع الجديدة.
لسنوات طويلة تناقل الناس مقولة بأن البناء الوحيد على الأرض الذي يمكن رؤيته من القمر هو سور الصين العظيم , لكن بعد غزو الإنسان للفضاء ثبت عدم صحة هذه المقولة أو الخرافة , إذ رغم أن طول سور الصين العظيم يبلغ 8852 كيلومتر إلا أن أقصى عرض له يبلغ 9 أمتار و هي مسافة لا يمكن رؤيتها حتى من مدار الأرض القريب.

تعليقات