ضيوف طيبون

 لماذا لا أسمع كلامهم ؟!

حسناً لستُ بارعاً في كتابة المقدمات الآخذة للعقول ،ولا أنا عاقلٌ بما فيه الكفايةُ لكي أسلب عقل من يقرأني،،
بل أنا مجنونٌ يهوى الكتابة فقط ، وأحب أن يقرأني الآخرون بعكس ما تكون القراءة،،أقصدُ من الأسفل إلى الأعلى..!
ذلك أسهل للفهم  إن أردتم،،
إن أكثر ما لفتَ انتباهي هنا هو قصصكم الواقعية أحبتي، والتي أدرسها بعنايةٍ في كل ليلة (فأنا حقاً من عشاق الليل)، والتي أيضاً دفعتني لكتابة هذه القصة التي هي أيضاً واقعيةٌ ومشوقةُ الأحداث(على الأقل بالنسبة لي)،، .. أما عن أبطال قصتنا فهم مجموعةٌ من الشباب يقطنون في شارعٍ واحدٍ من شوارع قطاع غزة الحبيب،وعلى رأسهم بالطبع أنا (محمد معمر-29عاماً) الذي عايشتُ معظم الأحداثِ في قصتنا هذه التي أسميتها "ضيوفٌ طيبون".
قبل عامٍ من وقتنا الحالي وتحديداً في شهر إبريل من عام 2013م، انتقلتُ وعائلتي المكونةُ من أبي وأمي وأخي .. ومني طبعا .. انتقلنا إلى بيتنا الجديد الذي قمنا ببنائه فوق قطعة من الأرض كنا قد قمنا بشرائها من قبل في منطقة ما من مدينة خان يونس جنوب القطاع،،
وصلنا فرحين جداً ببيتنا وكأيّ عائلةٍ في قطاع غزة، سرعان ما تعرفنا على جيراننا في الشارع، وبدأت تربطني أنا وأخي علاقةٌ جداً طيبة مع شباب الشارع الذي كنا نسكنه،،
الأمور سارت بشكل طبيعي إلى أن جاء ذلك اليوم الذي كنتُ موعوداً فيه بسهرةٍ عندي مع جارٍ لي اسمه لؤي (بيتهم بجوار بيتنا لكنهم لم يكونوا قد سكنوه بعد)،،
كان قد أخبرني قبلها بيوم واحد أنه سيكون أمام بيتنا بعد صلاة المغرب مباشرة،،
حسناً، صليتُ المغرب ووقفتُ فوق سطح البيت أنظر إلى الشارع منتظراً إياه،
بعد قليلٍ من الوقتِ رأيته يدخل أول الشارع الذي يبعد عنا مسافة الخمسون متراً على الأكثر ..
بدأ يمشي في الشارع وعلى كتفه حقيبة حاسوبه المحمول،، وما إن اقترب مسافة عشرة أمتارٍ من بيتنا نزلتُ بسرعةٍ لأستقبلهُ في الأسفل،،
لكنني خرجتُ من البيت لأجدهُ قد اختفى تماماً..!
بدأتُ أنادي عليه ولا إجابة،،
حسناً ما جالَ بفكري في حينها أنّه قد اختبأ مني في مكانٍ ما ربما لإخافتي أو لشيءٍ آخر،، هو يعرفُ جيداُ أنني حذفتُ كلمة الخوفِ من قاموس حياتي منذ صغري،،
حسناً أخذتُ أضحكُ بيني وبين نفسي،وقلت سأبحثُ عنهُ جيداً، وعندما أجدهُ سأقفُ خلفهُ إن تمكنتُ وأضربهُ على ظهرهِ بعصايَ التي التقطتها لتوِّي لأنفذ خطتي الشريرة هذه،، وإن حدث وعاتبني سأخبرهُ بأنني كنتُ أظنهُ لصاً (كانوا منتشرين بكثرةٍ في ذلك الوقت)، ولن يفعل شيئاً إننا نحب بعضنا كثيراً،،
حسناً تعالوا معي أحبتي لنبحث عنه،، قفزتُ إلى بيتهم لأبحث عنه في الداخل ولم أجد له أثرا،،
ثم بحثتُ عنهُ في مربع المنطقة بأكملها وأيضاً بلا جدوى،، واستمريتُ بالبحث حتى وصلتُ إلى أول الشارع...
مهلاً،، ما هذا الهراء ؟!،، لا يمكن له أن يبتعد أو حتى أن يسرع في الاختباء، لا يفصل مكانه الذي وصلهُ عن نزولي إليه سوى عشرُ ثوانٍ فقط!!،، بمعنى أنني كنتُ سأراهُ إن حاول الهرب،، لم لا أتصل به...
وهذا ما حدث بالفعل،،رفعتُ هاتفي لأكلمه...
- مرحباً عزيزي(صوت ضجة ضخمة حوله)..
- أهلاً محمد...
- لؤي أين أنت؟!
- أوه، سامحني نسيتُ إخبارك أنني سأحضر حفلةَ أحد أقاربي الليلة، آسف لن أتمكن من الحضور..
- حسناً يا صديقي، مبروك..وداعاً..
أنهيتُ الاتصال وتباً لي،، ما الذي يحدث الآن؟،، هل كنتُ أتخيل؟!!،، لستُ ممن يتوهمون أبداً..
أنا واثقٌ بأن جنياًّ ما يحاول العبث معي،،
سأعود إلى البيت.....
لا يمكن أن أخبر أحداً بهذا الأمر سوى والدتي الحبيبة، هي لا تخاف هذه الأشياء على الإطلاق لقوة إيمانها حفظها الله، أما عن أبي وأخي،فحسناً سأخبرهم لكنهم سيتجاهلون الأمر كليا،، ليس لأنهم لن يصدقوا، بل لأنهم على قناعةٍ بأننا نحن البشر لا يجوز لنا أن نلفت أنظارنا أبداً لهذا العالم الغامض..
وصلت أمي في اليوم التالي إلى المنزل وأخبرتها بالأمر،، ويا لروعة ردها،،:-
-قبل يومين يا عزيزي كنت أقف مع جارتنا خلف نافذة بيتها ونتحدث، وفجأة سمعتُ صوت ابن أختك الصغير في الشارع، نظرتُ إلى الشارع لأرى أختك تحمل رضيعها وابنها الصغير يمشي إلى جانبها ويلهو، وما إن اقتربوا أيضاً مسافة عشرة أمتارٍ من بيتنا اختفى الصغير ورأيت أختك بأم عيني تدخل في حائط القصر الذي أمامنا..!! ولم أكن أيضاً أتوهم الأمر،، لقد عرفتُ تماماً مثلك أنه جنيٌّ عابرُ سبيل،،
- لكن لماذا يظهرون لنا بهيئةٍ من نعرفهم؟، أقصد لم لا يعبروا سبيلهم دون أن يظهروا لأحد، لم ظهروا لي، ولم ظهروا لكِ؟
-عزيزي إنهم حولنا في كل مكان وأنت تعرف ذلك جيداً، ثم إنّك جداً متهورٌ  فلا تحاول أن تعترض طريقهم ولا تدعهم يستدرجوك إلى مكانٍ خالٍ تماماً من البشر، أحذر..!!
لم أهتم لما قالت أمي على الإطلاق،وقلتُ لنفسي لا بأس،، إن عاودوا الظهورَ لن أهدأ حتى أكتشف الأمر،،
بعد حواري مع أمي ذهبت إلى السوق التجاري الذي يبعد عن بيتنا مسافة 250 متراً تقريباً أو أقل بناءً على رغبتها في أن أشتري بعض المستلزمات للمنزل،،
أثناء عودتي وعند اقترابي مسافة عشرة أمتارٍ من مدخل شارعنا رأيت رجلين يدخلون الشارع...
أسرعتُ الخطى وأنا أقول لنفسي ربما هم من الجن،، سأكتشف الأمر،،
اقتربتُ منهم مسافة المترين فقط ولم أرى إلا خيالين يمشيان أمامي ويحدثون بعضهم ويلوحون بأيديهم وأنا لا أسمع صوتاً على الإطلاق رغم قربي الشديد منهم،،
الكهرباء كانت مقطوعة بالكامل عن المنطقة وهذا ما يشتهر به قطاعنا الحبيب،،
لماذا لا أسمع صوتهم؟، معقولٌ هم من الجن،، سأوجه كشافي إليهم ومن الطبيعي أن يختفوا عند ظهور النور فأعرف فوراً أنهم من الجن،، وهذا ما لم يحدث على الإطلاق!!
لقد وجهت كشافي نحوهم وتجاهلوني تماما أراهم جيداً،،ظلالٌ سوداء تتحرك أمامي وتتحدث مع بعضها وأنا لا أسمع من حديثهم كلمة واحدة!!
مع ملاحظة أن ضوء كشافي كان صادراً من هاتفي النقال، بمعنى أنه جداً ضعيف،، لكن وإن يكن، لِمَ لَمْ يختفوا،
ما حدث أنني استمريتُ بالمشي خلفهم إلى أن اجتزنا منزلنا بقليل من الأمتار ورأيتهم أنا أيضاً بأم عيني أحدهم اتجه يميناً ليدخل في سور من الأسلاك الشائكة يحيط بأرض خاليه، والآخر يتجه يساراً ليدخل في حائط بيتٍ بجانب بيت لؤي، وأنا واقفٌ في مكاني أنظر لما يجري بهدوء،
عادت الكهرباء إلى المنطقة بعد دقيقةٍ فقط لتسعفني في اكتشاف الأمر،، نظرت حينها إلى رمل الشارع،،
لم أجد إلا آثار أقدامي أنا فقط..!!
لقد كانوا من الجن...!



تعليقات