عجائب الدنيا السبع (الجديدة) – تاج محل .. قصيدة من الرخام تروي قصة حب خالدة

درة من درر الفن الاسلامي استغرق بنائها اكثر من 20 عاما


صورة لتاج محل التقطت من الحديقة الامامية المواجهة 

في القرن السادس عشر الميلادي كانت إمبراطورية المغول في الهند في أوج عصرها الذهبي و امتد سلطانها ليشمل تقريبا كل مساحة الهند الحالية بالإضافة الى باكستان و أفغانستان و خضع لها العديد من الشعوب و الثقافات و الأديان المختلفة , و رغم ان أباطرة المغول في الهند كانوا مسلمين الا انهم اتسموا بالتسامح الديني فازدهرت البلاد في عهدهم و امتزجت الحضارات و الثقافات المختلفة لتنتج مجموعة رائعة من  الآثار الفنية و المعمارية الرائعة , ربما يكون اجملها و أكثرها رسوخا في الذاكرة العالمية هو ضريح تاج محل الواقع على ضفاف نهر جومينا في مقاطعة آجرا الهندية , فبالإضافة الى روعة بناءه و لطافت شكله و تصميمه فأن القصة التي ارتفع بنانه لأجلها تضفي عليه المزيد من الجمال و تلفه في هالة من الرومانسية الحالمة.

لماذا و لأجل من بني تاج محل؟

في عام 1607 للميلاد , كان الأمير خرم ولي عهد الإمبراطورية في الخامسة عشر من العمر عندما حضر  إحدى المناسبات فشاهد ابنة احد النبلاء الفرس المقربين من البلاط و اسمها ارجمند بانو بكم , كانت رائعة الجمال و في الرابعة عشر من العمر و قد وقع الأمير في حبها من النظرة الأولى ففاتح والده الإمبراطور جهانكير من اجل خطبتها و امتدت هذه الخطبة لخمسة سنوات توجت بزواج العاشقين في عام 1612 , و قد ازداد تعلق الأمير خرم بزوجته الجميلة بعد الزواج فأطلق عليها اسم ممتاز محل , كانت زوجة محبة و وفية لا تتدخل في المشاكل و المكائد السياسية على عكس نساء البلاط الأخريات , و رغم انها كانت الزوجة الثالثة الا انها كانت المفضلة و المحببة و الوحيدة المتربعة على عرش قلب الأمير و كان يصطحبها معه دوما في حروبه و غزواته و يجعلها موضع سره و ثقته و قد أنجب منها أربعة عشر طفلا.
في عام 1628 توفى الإمبراطور جهانكير فارتقى الأمير خرم عرش الإمبراطورية و صار يعرف بأسم الإمبراطور شاه جهان أي ملك العالم , و قد واجه في بداية حكمه عدة ثورات و تمرد عليه بعض الولاة , كان احدهم هو حاكم إحدى المدن الأفغانية فتوجه لمحاربته عام 1631 , و كالعادة اصطحب معه زوجته ممتاز محل رغم انها كانت حامل في شهورها الأخيرة لكن يبدو ان مشاق الرحلة الطويلة قد أجهدتها و أرهقتها فتعسرت ولادتها و ساءت حالتها و بدا انها تحتضر فهرع اليها الإمبراطور و جلس قرب رأسها يذرف الدموع حزنا و كمدا , و يقال ان ممتاز محل نظرت اليه قبل موتها بلحظات و طلبت منه أمرين , الأول بأن لا يتزوج بعدها أبدا لئلا ينجب أولادا آخرين فينازعوا أبنائها على السلطان و الأمر الثاني هو أن يشيد لها ضريحا و بناءا فريدا من نوعه يخلد ذكرها الى الأبد , و قد وافق الإمبراطور على الطلبين في الحال و بقي مرابطا عندها على أمل ان تستعيد عافيتها لكنها سرعان ما لفظت  أنفاسها و انتقلت الى بارئها تاركة الإمبراطور وحيدا يذوب أسى و حسرة و يقال انه اعتكف بعد موتها لمدة سنة كاملة و حين ظهر للناس مرة ثانية كان قد غدا شخصا أخر فقد أبيض شعره و انحنت قامته.
في الصورة الى الاعلى يظهر الضريح الكاذب لتاج محل في القاعة الكبيرة داخله اما الصورة في الاسفل فتظهر القبور الحقيقية , القبر الصغير لممتاز محل و الكبير لشاه جهان و يقعان في غرفة صغيرة تحت بناء تاج محل

بناء تاج محل

في عام 1631 , أي نفس العام الذي توفت به ممتاز محل , شرع الإمبراطور ببناء الضريح الذي سيضم جثمانها و الذي سيعرف لاحقا بأسم تاج محل , و قد بعث رسله الى مختلف البلدان و الأفاق في طلب أساتذة و عباقرة الفن الإسلامي انذاك و انفق الأموال الطائلة في جلبهم و في توفير العمال و مواد البناء , فأحضر الأستاذ عيسى و اسماعيل افندي من الإمبراطورية العثمانية و استقدم برو و كاظم خان و امانت خان و مير عبد الكريم الشيرازي من الإمبراطورية الصفوية في إيران إضافة الى العشرات من فناني و حرفيي الهند , و سرعان ما بدء البناء الرخامي الجميل يرتفع شيئا فشيئا الى جانب ضفاف نهر جومينا لينجلي في عام 1653 عن تحفة فنية لا مثيل لها.
 البناء ينتصب فوق منصة حجرية مربعة يبلغ طول أضلاعها 55 × 55 متر , في وسط المنصة ينتصب بناء الضريح بعلو 74 متر و يتكون من بناء مثمن الشكل تطل منه مجموعة من الاواوين يتوسطها إيوان كبير بإزاء كل ضلع من أضلع المنصة المربعة و هي مزينة بآيات قرآنية منقوشة بخط الثلث أبدع في خطها و زخرفتها الفنان الإيراني امانت خان الشيرازي , و تعلو البناء المثمن قبة رائعة الجمال يبلغ ارتفاعها حوالي 35 متر و تحيط بها أربعة قباب صغيرة الحجم , و هناك أربع منائر تحيط بالبناء تقع كل منها في إحدى زوايا المنصة الحجرية و يبلغ ارتفاعها أكثر من 40 مترا , و في داخل بناية تاج محل هناك قاعة رئيسية ثمانية الأضلاع و مزينة بآيات من القرآن تحيط بها نقوش و زخارف إسلامية بارعة الجمال و هناك ضريح كاذب لممتاز محل و زوجها الإمبراطور بينما يقع القبر الحقيقي في غرفة رخامية صغيرة تقع تحت القاعة الرئيسية و بأبعاد 1.5 × 2.5 متر يتوسطها قبر ممتاز محل و هو مطرز بالزخارف و الآيات القرآنية و الى جانبه قبر أخر هو قبر الإمبراطور شاه جهان و يتجه كلا القبرين باتجاه القبلة.
يقع نهر جومينا خلف تاج محل , اما في الجهة الأمامية فهناك حديقة كبيرة غناء مقسمة الى أربع أقسام و يتوسطها حوض مائي كبير , و الى يمين بناية تاج محل يقع مسجد مبني من الصخور الرملية الحمراء يستعمل لأداء الصلاة من قبل زوار الضريح و اما الى الجانب الأيسر فيقع بناء أخر يشبه المسجد الذي في الناحية اليمنى من ناحية الشكل و التصميم و يستعمل كدار استراحة و اغلب الظن بأنه بني من اجل المحافظة على تنسيق تصميم تاج محل , و هناك حائط حجري يحد تاج محل من ثلاثة جهات باستثناء الجهة الخلفية التي يحدها النهر , و خارج هذا الحائط هناك مجموعة من القبور تعود لزوجات الإمبراطور الأخريات و لبعض الخادمات المقربات من ممتاز محل.
استغرق بناء تاج محل 22 عاما و عمل فيه عشرين الف رجل و تم استخدام الف فيل لجلب الرخام الأبيض المستعمل في البناء من إقليم راجستان , و قد طرزت ألواح الرخام بمختلف الأحجار الكريمة التي جلبت من أصقاع مختلفة , اليشب جلب من البنجاب و الكريستال من الصين و الفيروز من التبت و اللازورد من أفغانستان و الياقوت الأزرق من سيرلانكا و العقيق من الجزيرة العربية , و قد غطيت بعض أجزاء البناء و القبة بطبقات من الذهب لكن للأسف لم يتبق شيء من هذه المجوهرات اذ سرق معظمها جنود و ضباط الجيش الانكليزي الذين احتلوا المكان في القرن التاسع عشر.
في عام 1983 قامت اليونسكو بإضافة تاج محل الى قائمة مواقع التراث العالمي و في عام 2007 تم انتخابه كأحد عجائب الدنيا السبع الجديدة حيث حصل على أكثر من مئة مليون صوت , و في الآونة الأخيرة ارتفعت الأصوات للمحافظة عليه من تلوث البيئة حيث يقول بعض الباحثين ان لونه الأبيض اخذ بالتحول الى الأصفر بسبب تلوث الهواء.

أساطير تاج محل

في عام 1657 مرض الإمبراطور شاه جهان و سقط طريح الفراش فأستغل الفرصة ابنه الأمير اورنك زيب ,  ثالث أولاده من ممتاز محل , و قام بانقلاب أعدم خلاله أخيه الأكبر الوريث الشرعي للعرش الأمير دارا شكوه و نصب نفسه على العرش محل أبيه تحت اسم الإمبراطور عالمكير, و منذ ذلك التاريخ تم وضع الإمبراطور شاه جهان تحت الإقامة الجبرية التي استمرت حتى وفاته عام 1666 حيث دفن الى جوار زوجته الحبيبة داخل ضريح تاج محل , و تقول الأسطورة ان الإمبراطور كان ينوي ان يبني ضريحا لنفسه يكون على الضفة الأخرى من النهر إزاء ضريح تاج محل و يكون مماثلا له من ناحية الشكل و التصميم و لكنه مكسو بالرخام الأسود على عكس رخام تاج محل الأبيض , و بالفعل تم اكتشاف صخور سوداء على ضفة النهر المقابلة لتاج محل الا ان العلماء اكتشفوا فيما بعد انها ليست سوى صخور من الرخام الأبيض تحولت بمرور الزمن الى اللون الأسود لذلك فأغلبهم يرفضون تصديق أسطورة تاج محل الأسود.
و هناك بعض الأساطير الأخرى عن البناء , إحداها تدعي بأن الإمبراطور شاه جهان قام بقطع أيادي جميع الفنانين و الحرفيين الذين ساهموا في بناء تاج محل و ذلك لكي لا يشيدوا بناءا مماثلا له في المستقبل و قام بسمل عيونهم حتى لا يروا شيئا أجمل منه لبقية حياتهم !! و هناك أسطورة أخرى كان بطلها و المروج لها هو احد المتعصبين الهندوس المدعو  ب.ن.اوك  حيث اصدر كتابا عام 2000 يحمل عنوان "تاج محل : القصة الحقيقية" و فيه ادعى بأن بناء تاج محل في الأصل هو معبد هندوسي قديم لعبادة الآلهة شيفا و ان شاه جهان قام بالاستيلاء عليه و إخفاء معالمه الأصلية خلف ألواح الرخام الأبيض , و قد قام برفع دعوى لدى المحكمة الهندية العليا يطالب فيها باستعادة تاج محل ليصبح معبدا هندوسيا من جديد الا ان المحكمة رفضت دعواه و كذلك رفضها جميع الأكاديميين و الباحثين العاملين في مجال الآثار و التاريخ في جميع أنحاء العالم , و من الطريف ان هذا الكاتب المتعصب ادعى في احد كتبه أمورا تضحك الثكلى , فقد ادعى ان المسيحية و الإسلام كلاهما تعود جذورهما الى الديانة الهندوسية و ان الكعبة في الأساس كانت معبدا هندوسيا!!

تعليقات