ذئب موسكو .. السفاحا الذي ارعب الروس في العشرينيات ..
في احد الأيام من عام 1921 كان الفلاح
العجوز دميتري يتجهز للذهاب إلى منزل صديقة تاجر الأحصنة فاسيلي كوماروف ,
كان مسرورا لأنه كان يود أن يشتري حصانا يختصر به المسافة الطويلة بين
المزرعة وبيته .. سار دميتري حتى وصل إلى بيت صديقة فطرق الباب , ففتح
فاسيلي الباب واستقبل صديقة الفلاح بوجه بشوش ودعاة إلى الدخول لمنزلة
المتسخ الحقير , فدخل دميتري إلى المنزل وتبادلا الحديث فيما بينهما وعرفه
على زوجته صوفيا , وكان فاسيلي يحرص على الإفراط في تقديم الشراب لصديقة
الفلاح , وبعد جلسة طويلة كان السيد دميتري في حالة من الثمالة , عندها
أدرك فاسيلي أن الوقت قد حان , فاستأذن من ضيفة بحجة أن زجاجة الفودكا قد
نفذت وانه ذاهب لجلب زجاجة أخرى , وترك الضيف مع زوجته صوفيا وهما
يتناقشان , لكن بعد فترة قصيرة عاد فاسيلي وبيده مطرقة صغيرة , وقد تبددت
ملامح وجهة البشوشه إلى ملامح مخيفة وكأنه مجنون , فقام بمباغتة دميتري
بضربة قوية على رأسه , فصاح العجوز صيحة مدوية وسقط على الأرض مضرجا
بدمائه , وكان جسده يرتجف من شدة الضربة والدماء تتدفق من رأسه , وفي تلك
الإثناء انهال فاسيلي على ضيفة بضربة ثانية على رأسه .. وثالثة .. وأستمر
بضربه ولم يتوقف إلا بعدما أدرك انه لا يضرب سوى قطع لحم متناثرة على
الأرضية .
بعدما أتم كوماروف عملية القتل قام بسحل
جثة ضيفة إلى المطبخ بينما كانت زوجته تنظف أرضية المنزل الغارقة بالدماء ,
وفي المطبخ قام فاسيلي بوضع الجثة على طاولة قذرة , ثم ذهب إلى الفناء
الخلفي وعاد حاملا بيده منشار وحقيبة جلدية وقام بتجريد الجثة من الملابس
وقطع اليدين والرجلين , وقطع الجسم إلى نصفين , ثم وضع كل هذه الأجزاء في
الحقيبة الجلدية , وعندما انتهى من هذه العملية المضنية عاد فاسلي ويديه
وملابسة ملطخة بالدماء , فركع مصليا بخشوع من اجل أن يرحم الرب تلك الروح
التي قتلها !! .. وقد وصف فاسيلي تلك العملية قائلا : ( لقد كان عملا
متعبا , لكنه أستحق العناء , فذلك العجوز كان يحمل معه 30 روبلا ) .
من هو فاسيلي كوماروف ؟
صورة نادرة ويتيمة لفاسيلي ..
|
ولد بيتروف فاسيلي تيرينتيفيتش عام 1878
لعائلة فقيرة ، في مقاطعة فيتيبسك في روسيا , كان والدة مدمنا على الكحول ,
وكان دائم الضرب لفاسيلي , وبسبب التربية السيئة التي نشأ عليها فقد أدمن
فاسيلي على شرب الكحول منذ سن السابعة عشر وفي تلك الفترة ارتكب أولى
جرائمه , فقام بقتل احد الأشخاص وحكم عليه بالنفي 3 سنوات في احد معسكرات
الأعمال الشاقة (كاتورغا) بتهمة القتل غير المتعمد لأنه كان ثملا ساعة
وقوع الجريمة .
بعد الإفراج عنه في سن العشرين تزوج
فاسيلي , وفي عام 1905 اندلعت الحرب اليابانية - الروسية فالتحق فاسيلي
بالجبهة , وبعد محاولة فاشلة لسرقة احد المستودعات العسكرية تم سجن فاسيلي
لمدة عام كامل , وخلال تواجده في السجن توفيت زوجته بمرض الكوليرا .
بعد إطلاق سراحه تزوج فاسيلي ثانية من
امرأة تدعى صوفيا , وهي أرملة و أم لولدين , والتي ستصبح شريكته في جرائمه
المستقبلية , وكان دائم الضرب لها ولأولادها . وبعد اندلاع الثورة
البلشفية انضم فاسيلي إلى صفوف الجيش الأحمر لفترة قصيرة وتم أسره من قبل
الجيش الأبيض , فقضى مدة في الأسر ثم أطلقوا سراحه فقام بتغيير اسمه إلى
فاسيلي كوماروف وانتقل للعيش في موسكو , في شارع شابولوفكا .
الحرب الأهلية الروسية وفاسيلي
الجيش الاحمر سائر لمناجزة الجيش الابيض ..
|
كانت الحرب الأهلية الروسية فضيعة , أودت
بحياة 13 مليون روسي , ويعود سبب اندلاعها لمجموعة من العوامل الخارجية
والداخلية . إذ كانت هناك مشاكل ومماحكات مستمرة بين البلاشفة والحكومات
الغربية لأسباب عديدة منها امتناع البلاشفة عن دفع الديون التي كانت
تدينها الإمبراطورية الروسية لبريطانيا , وانسحابهم عن الحرب العالمية
الأولى , وفضحهم لاتفاقية سايكس - بيكو .. كل هذا دفع بريطانيا والقوى
العظمى للتحرك من اجل القضاء على تلك الحكومة المعادية لسياساتهم عبر دعم
الجهات التي كانت ناقمة على الثورة البلشفية . وأبرز هذه الجهات طبعا كانت
طبقة النبلاء والإقطاعيين والبرجوازيين الذين صادرت الثورة ممتلكاتهم
وأراضيهم وقامت بتوزيعها على الفلاحين والعمال . فقام هؤلاء بتكوين جيش
أسموه الجيش الأبيض بتمويل غربي , وكان هذا الجيش يضم الضباط الموالين
للقيصر والقوميين والاشتراكيين المعتدلين يساندهم رجال الدين . أما الجيش
الأحمر فقد كان مكونا من ملايين العمال والفلاحين اللذين وقفوا بجانب
البلاشفة خوفا على المكاسب التي حققوها في ظل الثورة .
كانت حرب وحشية من الطرفين تسببت في ظهور
مجاعة عام 1921 وكانت لها آثار سلبية على نفسية الشعب الروسي ومن ضمنهم
بطل قصتنا فاسيلي كوماروف .
جرائم القتل
فلاح روسي في الحقل ..
|
كما ذكرنا سابقا فأن فاسيلي انتقل إلى موسكو
وهناك تظاهر بأنه تاجر أحصنة , كان يقوم بسرقة الخيول من المناطق المجاورة
و يبيعها في منطقته بسعر غالي , لكن سرعان ما ترك مهنة السرقة بعدما تم
سجنه عدة مرات . وفي عام 1921 كان البلاشفة الشيوعيين في طريقهم نحو النصر
لكن المناطق التي حرروها كانت في حالة يرثى لها , وكانت المجاعة تهدد
حياة 19 مليون روسي الأمر الذي جعل (لينين) يقوم باستحداث خطة النيب
الاقتصادية ( وهي خطة تقوم على تراجع مؤقت عن الاشتراكية وتسمح للفلاحين
بالاحتفاظ بالفائض من محاصيلهم وتسمح للأجانب بالاستثمار في روسيا ) ,
وكانت خطة ناجحة بالفعل , إذ تمكنت من إنعاش الاقتصاد ورفعت المستوى
المعاشي للفلاحين , وربما كان لهذا الحدث اثر كبير في نفسية فاسيلي فقد
كان يرى حياة الفلاحين تزدهر وتنمو وثروتهم تزداد في حين كان هو عاطلا عن
العمل مدمن على الكحول , لهذا لم يكن لفاسيلي خيار آخر غير القتل من اجل
الحصول على المال . وكانت أولى جرائمه هي قتل الفلاح العجوز دميتري كما
ذكرنا بالتفصيل في بداية المقال.
كانت طريقة فاسيلي المفضلة في القتل هي
تهشيم الرأس بمطرقة صغيرة , وبعدما ينتهي من تقطيع الجثة كان يضعها في
حقيبة جلدية ثم يرميها في نهر موسكو . في البداية كانت عملية القتل صعبة
بالنسبة لفاسيلي , لكنه أصبح محترفا بالتدريج وصار قتل الشخص وتقطيع جثته
ورميها في النهر لا يأخذ منه سوى نصف ساعة .
فاسيلي قتل 15 شخص في عام 1921 , و12 شخص عام 1922 .
كان يضعهم في حقيبة ويرميهم في النهر ..
|
وقد تزايدت البلاغات عن مشاهدة السكان
المحليين لحقائب جلدية تطفو على نهر موسكو , حقائب تحتوي على أحشاء بشرية ,
وبسبب تكرار المشاهدات انتشر الذعر والرعب في موسكو و أدركت الشرطة أنها
تتعامل مع سفاح . وقد وصل الخبر إلى فلاديمير لينين الذي أمر شخصيا بتحويل
القضية إلى الضباط الأكفاء في جهاز تشيكا ( جهاز المخابرات السوفيتية ) ,
لكن مع ذلك لم يتوقف فاسيلي عن القتل , وكانت هناك سيدة تدعى اولغا
تيميشينكو وهي قريبة احد الضحايا الذين قتلهم فاسيلي , بدأت تشك بفاسيلي
لأنها آخر مرة شاهدت فيها قريبها كانت وهو يهم بالدخول إلى منزل فاسيلي ,
فقررت إبلاغ الشرطة , لكن فاسيلي علم بنيتها , فدعاها للحضور إلى منزله
بحجة إبلاغها عن مكان قريبها , ومع الأسف انطلت عليها الخدعة .
فاسيلي أراد أن يقتل السيدة أولغا بطريقته
المعهودة , فدعاها إلى شرب الخمر , لكنها رفضت , وقالت إنها لا تشرب
الخمر , وعندما ألح عليها فاسلي صرخت بوجهه واتهمته بقتل قريبها , فحصلت
مشادة كلامية بينهما غضبت السيدة اولغا على أثرها وقررت ترك المنزل , لكن
على بعد خطوات فقط عن الباب قفز فاسيلي عليها مثل حيوان مفترس وخنقها بكل
قوته حتى فاضت روحها , فقام بحملها إلى المطبخ ومددها على الطاولة ثم
اغتصبها وهي ميتة , وبعد أن قضى وطره منها قام بتشويه وجهها بالمطرقة حتى
لا يتعرف إليها أحد , وقام بتقطيعها لينتهي بها المطاف في حقيبة جلدية
طافية على نهر موسكو .
الطريف في قصة فاسيلي هو أنه كان رجل متدين يقضي الليل بأكمله وهو يصلي بخشوع من اجل أرواح ضحاياه ! .
بسبب المشاهدات المتكررة للحقائب الجلدية
وتكاثف جهود الشرطة قرر فاسيلي دفن ضحاياه في الفناء الخلفي لمنزله بدل
رميهم في النهر , وكانت زوجته تساعده في عملية الدفن , لكنها لم تنجو من
شره , إذ قام بقتلها لاحقا بسبب شجار حدث بينهما , كما حاول قتل احد
أبنائها لكنه تراجع بعد أن هددهم بأنه سوف يهشم رؤؤسهم إذا ما باحوا لأحد
بسر مقتل أمهم .
وبعد تزايد الجرائم قامت الشرطة بنشر
المراقبين السريين في كل أنحاء موسكو , واستعانوا بثلاثة أطباء نفسيين من
اجل تحليل شخصية القاتل , وقد وصفه الأطباء بأنة رجل في الأربعينات من عمرة
يستخدم أداة حادة في القتل وهذا ما يفسر رؤوس الجثث المهشمة وهدفه من
القتل هو المال .
الشرطة تحفر الباحة الخلفية لمنزل فاسيلي ..
|
الشكوك حامت حول فاسيلي بسبب تزايدت شكاوى
الناس ضده , فمعظم الضحايا شوهدوا وهم يدخلون منزله قبل اختفائهم , حتى
جاء ذلك اليوم الذي قررت فيه الشرطة تفتيش منزل فاسيلي , فتقدم احد الضباط
وطرق باب منزله برفقة عدد كبير من رجال الشرطة , وعندما فتح فاسيلي الباب
قالوا له أنهم يريدون تفتيش منزله , فحاول فاسيلي تمالك أعصابه وقابلهم
بوجه بشوش وابتسامة لطيفة مرحبا بهم , إلا أن بوادر القلق بدأت تظهر عليه ,
بالرغم من أن الشرطة لم تعثر على شيء , فقد حرص فاسيلي على التخلص من كل
الأدلة التي تثبت جرائمه .
وبعد الانتهاء من التفتيش كان رجال الشرطة
يغادرون المنزل , وشعر فاسيلي بارتياح كبير , لكن احد الضباط لاحظ
الارتباك الذي كان يعلو وجه فاسيلي فعاد مجددا وقال له أنهم يريدون تفتيش
الباحة الخلفية للمنزل , نزل كلامه كالصاعقة على رأس فاسيلي وبدأ وجهه
بالاصفرار . وحين خرجوا إلى الباحة قال فاسيلي لرجال الشرطة انه يشعر
بالبرد , وطلب أن يعود إلى داخل المنزل ليأتي بمعطفه . فوافق رجال الشرطة ,
ثم أخذوا يفتشون الباحة ويحفرون أرضيتها . وفي هذه الأثناء كان فاسيلي قد
قفز من إحدى نوافذ المنزل وفر هاربا .
الشرطة عثرت على عدد كبير من الجثث
المتحللة مدفونة في باحة منزل فاسيلي والذي كان قد هرب إلى قرية نيكولسكوي
على بعد بضعة كيلومترات من موسكو , لكن سرعان ما وقع في قبضة العدالة
وألقي القبض عليه . وقد أثارت قضيته ضجة كبيرة في موسكو , وعند التحقيق
معه قال بأنه بريء و لكن مع التعنيف والضرب اعترف بقتلة لـ 33 شخصا بينما
كانت الشرطة تعتقد أن عدد ضحاياه هو 27 فقط . وعندما سأله القاضي : لماذا
قتلت كل هؤلاء الناس ؟ .. أجاب مبتسما : من اجل المال .
كان الجميع يعتقدون أن فاسيلي هو شخص مريض نفسيا , لكن التقرير الطبي والفحص النفسي اثبت انه عاقل تماما ويدرك جيدا تداعيات أفعاله , فتمت محاكمته , أما أبناءه فقد تم نقلهم إلى احد ملاجئ الأيتام في موسكو , ويقال بأن احد أبنائه شارك في الحرب العالمية الثانية وأصبح جاسوسا لدى الألمان وجرى إعدامه بعد انتهاء الحرب بتهمة الخيانة.
كان الجميع يعتقدون أن فاسيلي هو شخص مريض نفسيا , لكن التقرير الطبي والفحص النفسي اثبت انه عاقل تماما ويدرك جيدا تداعيات أفعاله , فتمت محاكمته , أما أبناءه فقد تم نقلهم إلى احد ملاجئ الأيتام في موسكو , ويقال بأن احد أبنائه شارك في الحرب العالمية الثانية وأصبح جاسوسا لدى الألمان وجرى إعدامه بعد انتهاء الحرب بتهمة الخيانة.
المحاكمة والإعدام
الاعدام رميا بالرصاص في روسيا - صورة حقيقية -
|
تم الحكم على فاسيلي بالإعدام رميا بالرصاص ,
وقد غضب فاسيلي من الحكم وقال :( يجب أن تكرموني لأني قتلت البرجوازيين
الأنذال ) . ثم أضاف قائلا وهو ينظر إلى ضباط المخابرات : ( يمكنكم
الاستفادة من خبراتي بدل إعدامي .. فقط أعطوني مطرقتي الصغيرة وأعطوني أي
سجين لليلة واحدة فقط وسأجعله يعترف بأنه ملك انجلترا ) ! . ويبدو أن
فاسيلي كان جادا في كلامه مما جعل الضباط يزدادون اعتقادا بأنهم يتعاملون
مع رجل مختل عقليا .
وبعد إخراجه من المحكمة ليتم نقلة إلى
السجن تدافع سكان موسكو وهم ينهالون عليه بالحجارة والشتائم .. وكانت من
ضمنهم امرأة عجوز ضربت فاسيلي بالحجارة وصرخت بوجهة قائلة : ( من أصل 33
قتيل كم تركت ورائهم من يتيم يا ابن العاهرة ؟ ) ... وقد حاول فاسيلي
الانتحار في زنزانته لكنة فشل , وفي ليلة 18 حزيران / يونيو 1923 تم سماع
عدة أطلاقات نارية في ميدان رماية مبنى المخابرات السوفيتية , وفي صباح
اليوم التالي كان العنوان الرئيسي لمعظم الصحف هو خبر إعدام أول سفاح في
تاريخ الاتحاد السوفيتي .
تعليقات
إرسال تعليق