محاربين لا يمكنهم السيطرة على أنفسهم ..
عندما نسمع عن الأساطير التي تتحدث عن
محاربين خالدين يمتلكون قوى غير طبيعية فأننا غالبا نأخذ طابعا عنها يتسم
بالسخرية ، فمن غير المعقول وجود بشر خالد ، ولعل اقرب تشبيه واقعي لهذه
الأساطير هم المغول ، أولئك الأقوام الهمجية التي أسست إمبراطورية عملاقة
امتدت من الصين حتى الشرق الأوسط و أثاروا الرعب والذعر لدرجة أن اغلب من
عاصروهم اعتقدوا أنهم محاربين خالدين .. لكن من يتعمق في تاريخ المغول
يجدهم أناس عاديون حملتهم معيشتهم البدوية الصعبة وتقاليدهم البالية على
أن يصبحوا مقاتلين محترفين شديدي القسوة تخلو قلوبهم من أي رحمة .. لكن
سرعان ما تتلاشى أسطورة المحارب المغولي إذا تمت مقارنته مع محاربي
البيرسيركيين ..
ربما ستعتقد عزيزي القارئ أن محاربي
البيرسيركيين هم بشر عاديون قساة وهمجيون ، لكن سرعان ما سيخيب ظنك إذا قلت
لك أنهم يحملون صفات غير آدمية .. محاربين لا يمكنهم السيطرة على أنفسهم
.. هم اقرب إلى الحيوان من البشر! .
من هم البيرسيركيين؟
الفايكنغ .. اثاروا الرعب في اوربا ..
|
هم قوات النخبة في الفايكنغ ... و الفايكنغ هم أقوام بربرية همجية عاشت في أوروبا ..
عرف الفايكنغ بهمجيتهم ووحشيتهم وكانوا
دائما ما يقومون بهجمات على المملكات المجاورة لهم ، فقد هاجموا انجلترا و
ايرلندا و اسكتلندا وغيرها ... وسرعان ما انتشرت الأساطير حولهم .
كانوا معروفين بسفنهم الضخمة والتي تحمل
في مقدمتها نحتا لمخلوق يشبه الأفعى والذي يعتبر احد الرموز الوثنية
للفايكنغ ، وكانوا يتميزون بضخامة أجسادهم بسبب بيئتهم القاسية ، وكانوا
قد نشروا الرعب والهلع في عموم أوروبا .. فما أن يرى مراقبو الأبراج سفينة
ضخمة بمقدمة تشبه الأفعى قادمة نحوهم حتى يهرعوا إلى البلدة أو المدينة
من اجل إخلائها خوفا من أن ينتهي بهم المطاف كجماجم معلقة على ظهور أحصنة
الفايكنغ ..
هم قوات النخبة .. لا يقف امامهم شيء ..
|
لكن محارب الفايكنغ العادي لم يكن يساوي
شيئا أمام قوات النخبة (البيرسيركيين) حيث كان البيرسيركيين محاربين
متوحشين بحق .. كانوا يرتدون جلد الدببة .. ليس هذا فقط بل كانوا يتصرفون
كالدببة ، وفي ساحة المعركة كانوا يقاتلون وهم في حالة من الهستريا ،
كانوا يقضمون أدرعهم و أياديهم تعبيرا عن غضبهم .. محاربين بلا عقول
جعلتهم نوبات الغضب الغريبة وحوش لا يشعرون بضربة سيف ولا بطعنة رمح ،
وكانوا يمشون وسط الشوك وهم بلا أحذية دون أن ينبسوا ببنت شفة , كانوا
دائما في المقدمة يهاجمون كالثيران الهائجة ، وكانت حاميات بأكملها تهرب
عندما ترى محاربي البيرسيركيين المميزين بجلد الدب الذي كانوا يرتدونه .
والغريب أن بعد انتصارهم بالمعركة كانوا
يدخلون في غيبوبة و نوم عميق ، ربما بسبب سلوكهم الهستيري الغريب الذي
يرهق أجسادهم .. وكانت لهم مكانة خاصة حيث كانوا يعتبرون حراس الآلهة
الاودين (آلهة الفايكنغ) وأنهم بعد موتهم سوف يخلدون مع الآلهة في السماء
.. وكان لاختيار محارب البيرسيركيين شروط خاصة حيث يجب أن يكون قاسي وعصبي
، و أحد الشروط أن يصطاد حيوان مفترس (غالبا ما يكون دب) حيث باعتقادهم
انه عند اصطياد المحارب لحيوان مفترس فأن الحيوان سيسكن في جسده وسيصبح هو
ذلك الحيوان ..
يقاتلون كالمجانين ولا يرتوون من الدم أبدا ..
|
كانت لنوبات الهستريا التي يتعرض لها محاربو
البيرسيركيين أثناء المعركة تأثير سلبي على عقولهم .. حيث أصبحوا يتعرضون
لنوبات الغضب تلقائيا وبلا سبب وفي أي وقت ، على سبيل المثال عندما يجلس
احد محاربي البيرسيركيين مع عائلته فأنة يصاب فجأة بنوبة من العنف ويخرج
من المنزل محطما كل شيء يصادفه .
ما هو سر غضبهم ؟
نستنتج من كل ذلك أن البيرسيركيين محاربين
همج لا يملكون عقل ولا إحساس . لكن سر الغضب الذي كان يمتلكهم هو لغز حير
العلماء ، وعموما هناك فرضيتين أولهما هو أنهم كانوا يتناولون أعشاب مخدرة
قبل المعركة تجعلهم يفقدون الإحساس وبعد المعركة كانوا ينامون بسبب تأثير
المخدر ، وبما أن حياتهم كانت عبارة عن قتال بالتأكيد كانوا يتناولون
الكثير من الأعشاب المخدرة قبل المعارك .. لكن تلك الأعشاب كان لها تأثير
سلبي على عقولهم .
أما النظرية الثانية فتقول أن الفايكنغ
كانوا مصابين بأمراض عقلية ورثوها عن أجدادهم ويبررون ذلك على أن الأعشاب
المخدرة لا يمكن أن تجعل الإنسان يشعر بالغضب فجأة فهي في النهاية مخدر
وليس محفز للغضب وربما كان البيرسيركيين يقومون بأمور تحفزهم على أن
يشعروا بالحماسة والغضب.
نهاية البيرسيركيين
الفايكنغ تميزوا بأجسامهم العملاقة .. وهي صفات لازالت موجودة لدى بعض احفادهم من الشعوب الاسكندنافية ..
|
خلال القرن الحادي عشر ضعف الفايكنغ وبدئوا
بالدخول إلى المسيحية ، أما مقاتلو البيرسيركيين فقد هاجرو إلى البلدان
الأخرى بحثا عن حياة أفضل لكنهم لم يتخلوا عن همجيتهم وقاموا بتشكيل
عصابات تقوم بهجمات ليلية على القرى من اجل سلبها ، وبسبب تزايد مذابحهم
وأعمالهم الهمجية وسلوكهم الحيواني قررت ممالك أوروبا وضع حد لهم حيث
قاموا بمطاردتهم في مختلف البلدان ، ومما سهل القضاء عليهم هو أنهم كانوا
جماعات متفرقة ومنقسمة .
وقد أصبح صلب البيرسيركيين وحرقهم من
المناظر الشائعة في بلدان أوروبا ، وفي وقت قصير اختفى المقاتلون الخالدون
لتختفي معهم أسطورتهم وتطوى صفحة مظلمة من تاريخ أوروبا .
تعليقات
إرسال تعليق