صورة جني ينتقم من كل من يراه !

نصيحة .. لا تطل النظر إلى الصورة ..

لسنوات طويلة كانت الأحزان والملمات رفيقا ملازما لحياة عائلة ريتشفورد في منزلها الضخم الذي بني في منتصف القرن التاسع عشر . العديد من أفراد العائلة , كبارا وصغارا , انتهى بهم المطاف إلى الجنون أو الموت بصورة غامضة ومن دون أي سبب واضح . عثروا على البعض منهم ميتا في فراشه وهو فاغرا فاه تعلو وجهه أمارات الفزع كأنه شاهد شيئا مرعبا قبل موته مباشرة . آخرون انتحروا بإطلاق النار على رؤوسهم ، البعض قفزوا من نوافذ المنزل العليا ، وهناك أيضا من شنق نفسه ، ومن أختفي من دون أي أثر ... الغريب في الأمر هو أن جميع هؤلاء كانوا بصحة جيدة ولم يعانوا من أي مرض أو علة عقلية .
ظل النحس والموت رفيقا ملازما للمنزل
خلاصة القول أن عائلة ريتشفورد انقرضت تقريبا خلال العقود الثمانية التي قضتها في ذلك المنزل المشئوم , آخر فرد من أفرادها أصيب بالجنون وأودع المصحة العقلية عام 1930 . وبمغادرته غادرت الحياة المنزل ، أصبح مهجورا إلا من الظلام والصمت ، وسرعان ما تداركته الألسن بالإشاعات , فقيل بأنه مسكون ، وبأنه بوابة لكائنات شريرة قادمة من عالم آخر .
لكن السيد جونسون , المصرفي الناجح ، لم تفت بعضده أي من تلك الحكايات ، فهو رجلا عقلاني لا يؤمن بالخرافات ، وجد في المنزل فرصة استثمار لا تفوت لأن الكثيرين أعرضوا عن شراءه بسبب سمعته المخيفة ، ولهذا تدنى سعره كثيرا .
السيد جونسون أشترى المنزل ورممه ثم أنتقل للسكن فيه مع عائلته . ولم يطل المقام حتى بدأت الأمور الغريبة تطل برأسها من زوايا المنزل القديمة والمعتمة .. أبواب تفتح وتغلق من تلقاء نفسها ، أغراض تتحرك وأواني تتكسر من دون أن يمسها أحد ، أصوات وصرخات مجهولة المصدر يتردد صداها في أرجاء المنزل . وبدأت ابنة السيد جونسون الصغرى تعاني من أعراض غريبة ، لم تعد تشتهي الطعام ، شحب وجهها ، وأقض مضجعها الأرق والقلق ، وحين ألح عليها أبيها لمعرفة علتها ، أخبرته وهي تجهش بالبكاء بأنها تستيقظ أحيانا لترى قط أسود ضخم يجلس على حافة سريرها وهو يحدق إليها بنظرة ملئها الكراهية ، وأحيانا يظهر رجل مخيف يقوم بجر شعرها ويؤذيها .
لم يصدق السيد جونسون بأن ما يحصل في المنزل له علاقة بالعالم الآخر ، لكنه في نفس الوقت لم يكن يملك أي تفسير للأمور الغريبة التي لا تنفك تحدث كل يوم . أخيرا تحت إلحاح زوجته قام بنقل عائلته لسكن آخر ، أما هو فقد أصر على البقاء ، أراد معرفة السر وراء ما يجري . نصحه أصدقاءه باللجوء لوسيطة روحية مشهورة كانت تعيش في ضواحي المدينة وتدعى السيدة إليزابيث ستولورت . لكن السيد جونسون رفض تلك النصيحة ، زمجر غاضبا بأنه لن يلجأ أبدا للدجالين والمشعوذين ، لكنه سرعان ما بدل رأيه بعد بضعة أيام . ففي إحدى الليالي الحالكة الظلام أستيقظ من نومه ليجد أمامه قط أسود ضخم يجلس على حافة السرير وينظر إليه بعينين براقتين تنمان عن حقد وخبث .
نظرة ملئها الحقد والكراهية ..
السيد جونسون قفز من سريره مرعوبا ، أضاء النور وراح يبحث عن القط .. لكنه اختفى ، فتش الحجرة مرارا وتكرارا ، لكن لم يكن هناك أي أثر لقط .
لكن كيف دخل ؟ .. الباب والنوافذ كانت موصدة بإحكام .. من أين أتى ؟ .
صدمة تلك الليلة لم تفارق خيال السيد جونسون ، خصوصا تلك النظرة الكريهة الحاقدة . تذكر كلام أبنته عن القط والرجل المخيف ، هل كان كلامها صحيحا ؟ .. مجرد التفكير في ذلك جعل قلبه يدق بعنف ، وقرر أخيرا أن يقبل بنصيحة أصدقاءه ويستعين بالوسيطة الروحية .
وفي ذات ليلة ممطرة وعاصفة من شتاء عام 1933 توقفت سيارة فورد سوداء قديمة الطراز أمام منزل ريتشفورد وترجلت منها سيدة في منتصف العمر ترتدي ثيابا داكنة وتعتمر قبعة سوداء يتدلى منها وشاح مخرم يغطي النصف العلوي من وجهها . السيد جونسون أستقبل ضيفته بحفاوة كبيرة وأدخلها إلى منزله حيث كان بانتظارهما ثلاثة من أصدقاء السيد جونسون المقربين الذين قرروا أن يتواجدوا معه خلال جلسة تحضير الأرواح المزمع عقدها في المنزل تلك الليلة .
قبل أن يتحدث السيد جونسون عن طبيعة الأمور المخيفة والغامضة التي تحدث في منزله قاطعته السيدة ستولورت وعلامات الفزع بادية على وجهها ، همست قائلة بأنها تستشعر وجود قوة شريرة غاشمة تسيطر على المكان وهي حاضرة بقوة بينهم الآن . ثم طلبت من الحضور أن يخفضوا أصواتهم ويقللوا الإنارة ، وعندما انتهوا من ذلك أتخذ كل منهم مجلسه حول طاولة دائرية كبيرة وشرعت السيدة جونسون تتلو عزائمها وترسم بأصبعها في الهواء رموزا وإشارات غامضة ، وفجأة تخشب جسدها وابيضت عيناها وقست ملامحها وبدأت المائدة تهتز بعنف من تحت أيدي الجميع ، ثم ظهر خيط رفيع من الدخان وسط المائدة وراح ينتشر ببطء متحولا إلى ما يشبه الغيمة الصغيرة التي اتخذت هيئة رجل ذو ملامح مخيفة له أربعة أقدام كالقط ! .
ظهر دخان أبيض ..
أحد أصدقاء السيد جونسون كان صحفيا ، وكان قد أحضر معه آلة تصوير أخفاها في حقيبته من دون علم الجميع ، وبينما كان الجميع مذهولين ومشغولين بمراقبة ما يجري أمامهم أخرج ذلك الصحفي آلة تصويره بسرعة وألتقط بها صورة خاطفة لذلك الكائن الأثيري المخيف الذي تشكل فوق الطاولة ، وما أن فعل ذلك حتى اهتزت جدران المنزل بعنف ، وتزلزلت أركانه ، ثم سمعوا صوتا أجشا يزمجر كالرعد قائلا : " سأنتقم منكم .. سأنتقم منكم " . بعدها تبدد الدخان وسقطت السيدة ستولورت مغشيا عليها .
حين أفاقت السيدة ستولورت من غيبوبتها كانت غاضبة جدا ، قالت بأن بينها وبين كائنات العالم الآخر عهدا وميثاقا ، وبأنها أخلت به اليوم حين قام صديق السيد جونسون بالتقاط تلك الصورة أثناء الجلسة من دون علمها ، وبأن الله وحده يعلم ماذا ستفعل تلك الكائنات الغاضبة بهم .
السيد جونسون ألتمس من صديقه الصحفي إتلاف الصورة , فوعده بفعل ذلك ، لكنه لم يفي بوعده ، ففي صباح اليوم التالي كان هناك عنوان عريض يتصدر الصفحة الأولى لأكبر جريدة في البلاد مفاده التالي : " أول صورة حقيقة في العالم لجني " ، وتحت ذلك العنوان برزت الصورة المخيفة مع وصف مفصل لوقائع جلسة تحضير الأرواح التي أجريت في منزل روتشفيرد .
لم يطل الوقت حتى حل الانتقام الرهيب بجميع من حضروا تلك الجلسة ..
تم العثور على جثة السيدة ستولورت في غابة قريبة من منزلها ، كانت أطرافها مبتورة ، وفروة رأسها منزوعة ، وعيناها مقلوعتان ومرميتان بالقرب من جسدها الدامي .
الصحفي الذي ألتقط الصورة مات محترقا بعد أن شبت النيران في شقته .
السيد جونسون عثروا عليه منتحرا داخل حمامه وشرايينه مقطوعة .
الصديقان الآخران اللذان حضرا الجلسة أصيبا بالجنون وتم إيداعهما المصحة العقلية .
أما منزل روتشفيرد نفسه فقد تعرض لحريق غامض بعد أشهر قليلة ، تحول إلى كومة رماد ، لم يتبقى مما يدل عليه شيء ، ولا حتى صورة واحدة ، كأنه لم يكن ينتصب في تلك البقعة في يوم من الأيام .
أخيرا ماذا بقى لنقول ؟ .. بحمد الله فأن جميع أبطال قصتنا أما ماتوا قتلا أو أصيبوا بالجنون .. لم يتبق في النهاية سوى صورة مخيفة ومنحوسة أنصحك عزيزي القارئ أن لا تطيل النظر إليها .

تعليقات