الحب لا ينتهي دوماً الي السعاده
لعل أكثر القصص التي تداولها الناس في مجالسهم ومنتدياتهم ، والتي طار صيتها بعيدا حتى طبقت الآفاق بشهرتها ، هي تلك التي تتحدث عن العشق ، فلا تكاد تخلو أسطورة أو حكاية شعبية قديمة من ذكر لسيرة العاشقين المولهين الذين يكابدون الصعاب ويخاطرون بحياتهم للوصول إلى المحبوب ونيل رضاه . الجيد في الأمر هو أن معظم تلك الحكايات تنتهي ببلوغ العاشق لمراده ، حيث نراه يجتمع بحبيبته ويتزوجها ليعيشا معا في "تبات ونبات" لما تبقى من حياتهما وفي سعادة لا توصف . لكن على العكس من تلك القصص الشعبية الخيالية التي ترويها الجدات في أمسيات الشتاء الباردة ، فأن الواقع ، والتاريخ .. يقولان شيئا آخر ، فالحب مثل غيره من الأشياء ، عرضة للوهن والذبول والضياع ، وأعداءه كثيرون ، لذا فأن الكثير من قصص الحب العظيمة تنتهي إلى مآسي مفجعة ، وهذا هو بالضبط ما سنرويه عليكم في مقالنا هذا .. قصص الحب الشهيرة التي انتهت بالأحزان والفواجع وخيبات الأمل الكبيرة .
كليوباترا وانطونيوس
كليوباترا تخرج من البساط لتغوي قيصر ..
|
كليوباترا كانت آخر حكام مصر من الأسرة البطلمية ، وهي أسرة ذات أصول مقدونية اتخذت من الإسكندرية عاصمة ملكها في القرن الثالث قبل الميلاد فأصبحت المدينة على عهدهم منارة للعلم والأدب والفنون . وكان البطالمة قد اندمجوا تماما مع الثقافة والتقاليد والديانة المصرية إلى درجة أن البعض يعتبرهم امتدادا للفراعنة المصريين .
كيلوباترا توجت ملكة عام 51 ق.م مع زوجها – شقيقها الأصغر – بطليموس الثالث عشر . لكنها فرت من مصر بعد أن دبت الخلافات بينها وبين مستشاري زوجها ، ثم عادت لاحقا وتوجت ملكة من جديد ، هذه المرة كزوجة لشقيقها الآخر ، بطليموس الرابع عشر ، وذلك بمساعدة يوليوس قيصر الذي أصبح عشيقها . ويقال بأنها أغوت قيصر بحيلة ذكية ، تسللت إلى قصره وهي ملفوفة في بساط ، وحين مدوا البساط أمام قيصر خرجت منه كليوباترا كأنها حورية فسلبت عقله وخطفت قلبه في الحال .
مارك انطوني يموت بين يدي كليوباترا ..
|
بعد اغتيال قيصر في روما أضحت كليوباترا عشيقة مارك انطونيوس الذي كان أحد أقطاب الحلف الذي أخذ على عاتقه مهمة الانتقام من قتلة قيصر ، لكن ذلك الحلف لم يدم طويلا ، إذ سرعان ما نشبت الحرب بين قطبيه ، انطونيوس واوكتافيوس ، وانتهت هذه الحرب في معركة اكتيوم ، حيث حوصر انطونيوس بالقرب من الإسكندرية بعد أن فقد أسطوله وفر جيشه ، هناك وصلت إليه أنباء كاذبة عن موت كليوباترا فقرر الانتحار وغرس سيفه في بطنه ، لكنه لم يمت في الحال ، إذ تم نقله لقصر كليوباترا وفيه رمق ، ومات هناك بين أحضانها وآهاتها ودموعها ، ثم ما لبثت هي الأخرى أن انتحرت ، يقال بأنها احتضنت أفعى كوبرا مصرية فتعرضت للدغاتها وماتت مسمومة ، ويقال بأن وصيفاتها انتحرن بعدها بنفس الطريقة . وبموتها انتهى حكم البطالمة لمصر التي أصبحت ولاية رومانية .
ومن غير المعلوم هل انتحرت كليوباترا حزنا على انطونيوس ، أم لأنها علمت بأن المنتصر الجديد ، اوكتافيوس ، غير قابل للإغواء ، وبأنه ينوي أن يطوف بها عارية في شوارع روما قبل أن يقدمها كأضحية عند معبد الإله جوبيتر . وهو ذل جربته للأسف ملكة شرقية أخرى هي زنوبيا أو الزباء .. لكن تلك قصة أخرى .
ملصق فيلم كليوباترا بطولة اليزابيث تايلور والى جانبه صورة لرأس رخامي أثري لكليوباترا ..
|
كليوباترا أنجبت ثلاث أطفال من انطونيوس ، وواحد من قيصر ، أما زواجها من أشقائها فلم يثمر عن شيء مما يدل على أنه كان زواجا شكليا لا أكثر .
أوكتافيوس ، الذي عرف لاحقا بأسم الإمبراطور أغسطس ، وكان أول إمبراطور روماني بعد الجمهورية . قام لاحقا بقتل أبن كليوباترا من قيصر خشية أن ينافسه على عرش روما .
أسم كليوباترا لم يمحى بموتها ، إذ تحولت إلى إيقونة للجمال والدهاء والإغواء الأنثوي ، كتب عنها الكثيرون ، منهم وليم شكسبير في مسرحيته الشهيرة "كليوباترا وانطونيوس" . كما تحولت حياتها إلى مادة للعديد من الأفلام السينمائية . الغريب في الأمر هو أن المنحوتات والنقوش والمسكوكات التي وصلت إلى أيدي علماء الآثار عن كليوباترا لا تظهرها بذلك الجمال الموصوف عنها في الروايات والأفلام .
عنترة وعبلة
ابو الفوراس عنترة ..
|
أبو الفوارس ، بطل بني عبس وشاعرها المفوه . كان أبوه شداد من سادة قومه ، أما أمه زبيبة فجارية حبشية ، وقد ورث عنها سواد البشرة ، ولأن العرب كانوا لا يعترفون بأبناء الإماء فقد كابد عنترة عذابا وظلما وهوانا شديدا من أبيه وقومه ، فألحقوه بالعبيد ، لكنه سما فوق أقرانه بشدة بأسه وشجاعته وأستحق حريته بحد سيفه .
ومع أنه نشأ عبدا يرعى الإبل لأبيه ، إلا أن العشق وجد طريقا لقلب عنترة منذ نعومة أظفاره ، فقد هام حبا بابنة عمه عبلة ، وأنشد الأشعار الرقيقة الجزلة متغنيا بهواها ، لعل أجودها هما هذان البيتان من معلقته الشهيرة واللذان يعدهما البعض من أغزل ما قالت العرب :
ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني *** وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنها *** لمعت كبارق ثغرك المتبسمِ
فوددت تقبيل السيوف لأنها *** لمعت كبارق ثغرك المتبسمِ
رغم كل ما كابده عنترة في سبيل أهله وقومه ، فهو لم يسلم من غدرهم ولؤمهم ، خصوصا عمه مالك ، والد عبلة ، الذي طلب شروطا تعجيزية كمهر لأبنته . لكن عنترة أنجز جميع المهام المستحيلة التي طلبها عمه بشجاعته وشدة عزيمته مسطرا أروع البطولات التي تغنى بها الرواة على مر العصور .
فهل فاز عنترة بعد ذلك بوصال عبلة ؟ ..
صخرة عنترة في القصيم .. هنا تغزل عنترة بعبلة ..
|
بعض الشواهد التاريخية تقول بأن عنترة لم يتزوج عبلة مطلقا ، فعمه الخبيث زوجها لرجل آخر ، ويقال بأن عنترة ظل أعزبا لما تبقى من حياته ينشد الأشعار ويذرف الدموع على عبلة حتى مات مقتولا بسهم وقد نيف على الثمانين من عمره . وهناك راوية أخرى تقول بأن عنترة تزوج من عبلة بالفعل ، لكنه على ما يبدو ، كمعظم الرجال إذا ما بلغوا وطرهم ونالوا مرادهم ، لم يكتفي بوصال المحبوب ، بل راح يطارد أخريات ، فتزوج سبع نساء أخريات وأنجب منهن أطفالا كثر ، أما عبلة فلم تنجب له لأنها بزعمهم كانت عاقر .
أنا شخصيا أتمنى أن يكون الاحتمال الأول هو الصحيح ، أي أنه أصبح راهبا بهوى عبلة ، فتلك مأساة أهون بكثير من أن يتزوج فوقها سبع نساء ! .
عشيقة الدوتشي
كلارا بيتاتشي ..
|
كلارا بيتاتشي ولدت في روما عام 1912 ، كان أباها طبيبا خاصا لبابا الفاتيكان . منذ نعومة أظافرها لم يكن في بال وقلب كلارا سوى رجل واحد ، بينيتو موسوليني . كان عشقا غريبا من نوعه ... فتاة في ريعان الشباب تعشق رجلا متزوجا يكبرها بثمان وعشرون عاما ، وأي رجل ؟ .. دكتاتور ايطاليا الفاشي ، الرجل الذي أخذ على عاتقه إعادة إحياء أمجاد روما القديمة .
في سن الرابعة عشر بعثت كلارا رسالة مفعمة بالعواطف للدوتشي تهنئه على نجاته من محاولة اغتيال . موسوليني أعجب بالرسالة فأمر سكرتيره بأن يكتب ردا للفتاة ويشكرها ، فزاد ذلك من إعجاب وتعلق كلارا به . وبعد ذلك بأعوام كانت كلارا تمشي برفقة خطيبها حين مر بهما الدوتشي صدفة بسيارته ، كانت تلك المرة الأولى التي تراه فيها على الطبيعة ، وقد حركت رؤيته لواعج قلبها فراحت تطارد الدكتاتور في شوارع روما وأغرقت مكتبه برسائل الحب الساخنة . وكم كانت سعادتها كبيرة حينما اتصلوا بها وأخبروها بأن الدوتشي وافق على رؤيتها .
قد لا يعرف الكثيرون بأن موسوليني كان زير نساء . وبحسب ما قالته كلارا نفسها في مذكراتها فأن الدوتشي كان مدمنا على الجنس . مدير مكتبه قال مرة بأن إحدى واجباته كانت تتمثل بتهيئة دزينة كاملة من النساء يوميا ليختار منهن الدوتشي ثلاث أو أربع يقظين الليلة معه . وكانت هناك أريكة خاصة في مكتب الدوتشي طالما مارس الجنس عليها مع زائراته من النساء ، وبعضهن من علية القوم والمشاهير ، لا بل أن هناك الإشاعات تزعم أنه كان على علاقة بملكة إيطاليا .
الدوتشي في أوج مجده ..
|
والآن تصور معي عزيزي القارئ ، زير نساء كموسوليني ، تدخل عليه شابة جميلة وتعرض نفسها عليه كما فعلت كلارا ، ماذا سيكون رد فعله ؟ .. الجواب عند الأريكة طبعا ! . ومنذ ذلك اليوم أصبحت كلارا عشيقة الدوتشي الرسمية ، طبعا هي لم تكن الوحيدة التي شاطرته فراشه ، هناك أخريات ، لكن كلارا كانت متميزة عن الجميع ، لأن الدوتشي أحبها بالفعل . كانت العلاقة بينهما نارية ، متأججة ، ملحمية ، كما ذكرت هي بالتفصيل في مذكراتها ، وذلك على العكس من علاقة الدوتشي بزوجته وأم أطفاله الأربعة راشيل التي أتسمت بالبرود .
العلاقة مع الدوتشي عادت على كلارا وعائلتها بالكثير من المنافع ، أصبح لها قصرها الخاص الذي يحتوي على حمام سباحة وملعب تنس وملجأ ضد القنابل ، لكن أيام سعادتها لم تدم طويلا ، فالحرب بدأت ، وشاهد العالم بأسره موسوليني وهو يصطف مع هتلر ، ثم وهو يهوي معه حينما تبدلت رياح النصر باتجاه الحلفاء . ومع حلول السنة الرابعة للحرب استولى الحلفاء على مستعمرات ايطاليا في الحبشة وليبيا ، وأصبحت روما نفسها مهددة بالسقوط .
قصة حياة وصعود وسقوط موسوليني تحتاج إلى صفحات مطولة لشرحها ، لكن ما يعنينا منها هنا هي فصولها الأخيرة ، فبعد أن أحتل الحلفاء ايطاليا وتقدموا نحوا الشمال ، حاول الدوتشي وكلارا الهرب إلى النمسا برفقة قافلة من الجنود الألمان المنهزمين ، لكن القافلة وقعت بيد حركة المقاومة الايطالية المناهضة لموسوليني فتم القبض على الدوتشي الذي كان مختبئا في مؤخرة إحدى الشاحنات ، وكانت كلارا برفقته ، وكذلك شقيقها الذي حاول الهرب فأردوه قتيلا .
إلى اليسار الجثث معلقة وإلى اليمين بعد انزال الجثث .. قمت بتغطية وجه موسوليني لأنه مشوه بصورة فضيعة ..
|
تم نقل موسوليني وكلارا ورفاقهم إلى مزرعة بالقرب من بلدة دونغو ، وبسبب خوف رجال المقاومة من أن يتم إنقاذ موسوليني فقد تعجلوا بإعدامه ، حيث قتلوه رميا بالرصاص في فجر يوم 28 ابريل عام 1945 . ويقال بأنهم خيروا كلارا بين البقاء أو الرحيل ، فاختارت البقاء والموت مع عشيقها الدوتشي . ويقال أيضا بأن آخر جملة قالها الدوتشي قبل مقتله كانت موجهة لقاتليه ، حيث صرخ فيهم قائلا : "صوبوا إلى القلب مباشرة" .
بعد مقتلهما أخذت جثث موسوليني وكلارا إلى ميلان وتم تعليقها بالمقلوب في أحد الميادين العامة ، الآلاف اجتمعوا لرؤية الجثث وأخذوا يرمون عليها الأحذية والخضروات الفاسدة ، وجرى التمثيل بجثة موسوليني .
كلارا كانت قد أخذت من فراش النوم إلى الإعدام مباشرة من دون أن تتاح لها حتى فرصة ارتداء ملابسها الداخلية ، لذلك حين علقوها بالمقلوب سقطت تنورتها وانكشفت عورتها ، فأستنكر الناس ذلك ، وقام بعضهم بتغطيتها عن طريق لف تنورتها حول ساقيها كما هو ظاهر في الصورة .
استمرت الجثث معلقة لساعات طوال حتى وصل جنود الحلفاء فقاموا بإنزالها وجرى دفنها في قبر مجهول .
في خمسينيات القرن المنصرم جرى نبش قبر الدوتشي ، رفات موسوليني نقلت لمقبرة عائلته في بريدابيو ، أما رفات كلارا فدفنت في مقابر عائلتها بروما .
شاه جهان وممتاز محل
شاه جهان وممتاز محل .. صورة من مخطوطة تاريخية ..
|
كان الأمير خرم ، ولي عهد إمبراطورية المغول في الهند ، شابا وسيما تهفو إليه قلوب الفتيات ، لكن قلبه لم يهفو سوى لفتاة واحدة ، حب حياته ... ممتاز محل .
كان في الخامسة عشر حينما شاهدها لأول مرة في حفل ، كانت تصغره بسنة واحدة ، وكان عشقا من النظرة الأولى .
بعد خطبة دامت خمس سنوات تزوج العاشقان عام 1612 . وعلى العكس من معظم قصص الحب فأن غرام الأمير الشاب لحبيبته لم يفتر بعد الزواج ، بل زاد تأججا وتوهجا ، خصوصا بعد أن أكتشف دماثة خلقها ورجاحة عقلها ، حيث كانت لا تتدخل في شؤون الدولة ولا تشترك في المكائد والدسائس كما تفعل معظم نساء البلاط . ولشدة تعلق الأمير بزوجته كان يصطحبها معه أينما حل وأرتحل ، حتى في أسفاره وحروبه ، لا عجب بعد ذلك أنه أنجب منها أربعة عشر طفلا ! .
في عام 1628 أعتلى الأمير خرم عرش الإمبراطورية بعد وفاة والده ، أصبح يعرف بأسم السلطان شاه جهان ، أي ملك العالم . وقد ترافقت سنوات حكمه الأولى ببعض القلاقل والثورات وشهدت تمرد بعض الولاة .
تاج محل .. آية من آيات المعمار والهندسة ..
|
السلطان توجه بنفسه عام 1631 لإخضاع والي إحدى المقاطعات الأفغانية المتمردة ، وكالعادة أصطحب معه زوجته الحبيبة ، لكن يبدو أن الرحلة الطويلة والشاقة أرهقت ممتاز محل التي كانت حاملا آنذاك فتعسرت ولادتها وشارفت على الموت ، فهرع إليها السلطان وجلس عند رأسها يذرف الدموع ، ويقال بأن ممتاز محل نظرت إليه قبيل موتها وطلبت منه أمرين ، الأول أن لا يتزوج بعدها أبدا لئلا ينجب أولادا آخرين ينازعوا أبنائها السلطان ، والثاني أن يشيد لها ضريحا فريدا من نوعه ليخلد ذكراها إلى الأبد . وقد وافق السلطان على الطلبين ، وبقي مرابطا عند رأسها على أمل أن تستعيد عافيتها لكنها ما لبثت أن لفظت أنفاسها وانتقلت إلى بارئها ، و يقال بأن السلطان اعتكف بعد موتها لسنة كاملة ، وحين خرج إلى الناس مرة أخرى كان شعره قد أبيض بالكامل وتقوس ظهره .
وقد أوفى السلطان بعهده لزوجته ، فلم يتزوج بعدها أبدا ، وبني لها ضريحا فخما لم يرى العالم مثيلا له في الروعة والجمال . أنه تاج محل ، أو قصيدة الرخام كما يسميه الهنود ، الذي يعد آية من آيات المعمار وعجيبة من عجائب الدهر ، وتحت قبته الفريدة اجتمع الزوجان العاشقان من جديد ، فهو يضم قبر ممتاز محل وزوجها السلطان الذي دفن إلى جوارها بعد موته .
بوني وكلايد
كلايد في شبابه .. صورة من ارشيف الشرطة
|
بعض الأحيان يعجب الناس بالمجرمين والخارجين على القانون ويتعاطفون معهم ، فروبن هود ، وعروة بن الورد ، لم يكونا سوى لصين وقاطعي طريق ، لكن الناس أحبوا سيرتهما لأنهما كانا يسرقان من الأغنياء ليغدقوا على الفقراء . والدون كورليوني في فيلم "العراب" كان زعيم عصابة خطير ، لكن الناس أحبوه لدرجة أن بعض الجمل التي قالها في الفيلم أصبحت من مأثور الكلام ! .... وبوني وكلايد كانا قاتلان تلطخت أيديهما بدماء الكثيرين ، لكنهما بالنهاية تحولا إلى أسطورة عاشت في وجدان وذاكرة الكثير من الناس .
كلايد بارو ولد عام 1909 بالقرب من دالاس ، الخامس من بين سبعة أبناء . دفعه فقر عائلته المدقع للسرقة في سن مبكرة . أغلب الأمريكان كانوا فقراء في تلك الفترة التي شهدت الكساد الكبير . وفي عام 1930 تم القبض على كلايد متلبسا السرقة فأرسل إلى سجن ايستهايم سيء الصيت .
صورة بوني الشهيرة بالسيجار والمسدس
|
كلايد كان شابا يافعا وسيما ، فتعرض للتحرش الجنسي من قبل بقية السجناء ، وهناك في السجن أقترف أول جريمة قتل حينما ضرب إلى حد الموت أحد مغتصبيه .
شيء ما أنكسر في نفس كلايد ولم يعد قابل للإصلاح ، تقول شقيقته ماريا : "شيء ما بشع حدث له بالتأكيد هناك ، لأنه لم يعد نفس الشخص حينما خرج من السجن " .
أصبح هم كلايد الوحيد والمحور الذي تدور عليه حياته هو أن ينتقم من النظام ، أراد أن يعاقب من تسببوا بسجنه واغتصابه ، فأنطلق يقتل ويسرق بلا رحمة أو هوادة ، لا لغاية السرقة بحد ذاتها ، لكن ثأرا من رجال الأمن الذين أصبحوا بطبيعة الحال أغلب ضحاياه .
أما بوني باركر فقد ولدت عام 1910 في تكساس ، مات والدها وهي طفلة فعاشت مع أمها في ضواحي دالاس ، كانت متميزة جدا في المدرسة ، نالت جوائز في الإملاء والقواعد والخطابة ، وكانت تقرض الشعر . لكنها للأسف تركت المدرسة بعد أن تزوجت أحد زملائها وهي في سن السادسة عشر . ولم يكن زواجا ناجحا ، إذ أنفصل الزوجان الشابان عام 1929 ، لكنهما لم يتطلقا رسميا أبدا ، وحين ماتت بوني بعد سنوات كان خاتم الزواج مازال في أصبعها .
بوني وكلايد .. العشق الدموي ..
|
بوني عادت لتعيش مع أمها بعد انفصالها وعملت كنادلة ، وعن طريق الصدفة قابلت كلايد في منزل إحدى الصديقات أول مرة ، فأعجب الاثنان ببعض على الفور ، وسرعان ما أصبحت بوني عشيقة كلايد وفردا رئيسيا في عصابته ، ترافقهم وتشاركهم في سرقة البنوك والمتاجر ومحطات البنزين . ونالت بوني شهرة واسعة بعد أن نشرت الصحف بعض صورها وهي تضع سيجارا كوبيا في فمها وتمسك مسدسا بيدها ، فانطبعت هذه الصورة النمطية عنها ، كفتاة متمردة ، في أذهان الناس بالرغم من أن زملائها في العصابة قالوا لاحقا بأنها لم تكن في حقيقة الأمر تدخن السيجار ولا قتلت أحدا بنفسها . لكن كلايد فعل ، قتل هو وزملائه الكثيرين ، معظمهم من الشرطة ، ونجح في اقتحام سجن ايستهام وتحرير بعض السجناء ، وهو أمر لم يفعله أحد قبله ولا بعده ... كل ذلك جعل السلطات تعلنه "عدوا للشعب" ، وتم وضع مكافئة مالية كبيرة مقابل رأسه ورأس بوني .
في إحدى المرات أختطف كلايد رجلا ثم أطلقه سراحه لاحقا من دون أن يؤذيه ، في أثناء وجوده مع العصابة في السيارة سألته بوني عن مهنته فأخبرها أنه حانوتي ، فضحكت بوني وقالت بأنه ربما سيعمل على جثتها يوما ما .
في عام 1934 تم قتل كلايد وبوني في كمين بينما كانا يقودان سيارتهما على طريق خارجي كئيب بالقرب من لويزيانا ، عشرات الرصاصات أفرغت في جثتيهما .
تم قتلهما في كمين .. لاحظ جثة بوني مازالت في السيارة .. صور الجثث موجودة ايضا لكني لم اضعها لبشاعتها ..
|
آلاف الناس اجتمعوا في جنازة العاشقين . البعض أقترح دفنهما معا كما أرادت بوني ، لكن عائلتها رفضت . ولا حاجة لأن أخبرك عزيزي القارئ من تولى تجهيز ودفن جثة بوني وكلايد .... إنه نفس الحانوتي الذي توقعت بوني أن يقوم بدفنها ! .
بوني وكلايد أصبحا أسطورة من أساطير العشق والجريمة ، للأسف لا يمكننا الإحاطة بتفاصيل قصتهما في هذه العجالة ، لكن عشرات الروايات والأفلام والمسلسلات تحدثت عنهما عبر السنين ، ولعل خير ما نختتم به كلامنا عنهما هو هذه الأبيات التي أنهت بها بوني قصيدتها "نهاية الطريق" حيث تقول :
تعليقات
إرسال تعليق